الجاسوس والجاموس!

TT

شبكة تجسس إسرائيلية جديدة تسقط في أيدي السلطات الأمنية المصرية، ويتكشف من خلال التحقيقات الأولية أن المتهمين كانوا ينوون «إيقاع أضرار كبيرة بالاقتصاد المصري وتدميره عن طريق خطف السياح» بأسلوب منظم، وهي الاتهامات التي وجهها القضاء المصري، متسببا في إحراج للدبلوماسية الإسرائيلية، مما اضطر السفير الإسرائيلي وزوجته للمغادرة على عجالة إلى تل أبيب. وهذا الفصل «الناقص» الجديد في مسلسل التجسس الإسرائيلي ضد مصر ليس بمفاجئ، فهو «الضربة» رقم 72 في عدد الشبكات الجاسوسية التي وقعت في شباك الأمن المصري منذ عشرين عاما، أي منذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل.

وقد شهدت هذه الفترة سقوط أسماء مصرية وإسرائيلية في قبضة العدالة؛ مصريين مثل شريف الفيلالي ومحمد سيد صابر ومحمد العطار، وإسرائيليين مثل الدرزي عزام عزام الذي كان يفتخر بحبه لرئيس الوزراء الإسرائيلي صاحب المجازر المختلفة أرييل شارون. والتجسس الإسرائيلي لم يقتصر، على مصر وحدها، فلبنان شهد هو الآخر سقوط العديد من الأفراد في شباك قبضة الأمن، وآخرهم كان شخصية من الوزن «الثقيل» هو السياسي البارز «فايز كرم» عضو التيار العوني، إضافة لعدد من موظفي شركات الاتصالات في لبنان (وهو هدف يبدو أساسيا في خطة تجنيد الموساد لجواسيسه لأن هذا الأمر حصل في مصر أيضا).

وتاريخ الجاسوسية الإسرائيلية في العالم العربي قديم ومعروف، فهناك قصة إيلي كوهين، الجاسوس السوري الذي ألقي القبض عليه في الستينات من القرن الماضي والمعروف باسم إبراهيم ثابت، بعد أن وصل، باسمه العربي الذي كان معروفا به والذي جاء به كمهاجر من أميركا اللاتينية عائدا إلى بلاده، إلى مناصب عليا في وزارة الدفاع السورية، وأدين بالتجسس وحكم عليه بالإعدام.

وكذلك تم تناول قصص الجاسوسية الحقيقية في مصر في أعمال فنية مختلفة سواء في التلفزيون مثل مسلسلات «رأفت الهجان» و«دموع في عيون وقحة» و«الحفار»، وسينمائيا مثل أفلام «الصعود إلى الهاوية» و«بئر الخيانة» و«إعدام ميت» و«ملف سامية شعراوي»، وهذه مجرد عينات مما عرف. وكانت إسرائيل تفتخر أنها «تزرع» موظفين في بعض السفارات الأجنبية في بعض الدول العربية وذلك ما تم الكشف عنه في أكثر من كتاب نشر من قبل جواسيس سابقين في جهاز الموساد الإسرائيلي.

والتاريخ الإسرائيلي في مجال التجسس ليس محصورا ضد الدول العربية ولكنه أيضا موجه ضد الدول الحليفة، وتحديدا ضد الولايات المتحدة الأميركية، التي قامت بالقبض على أعداد غير قليلة من الجواسيس العاملين لصالح جهاز الموساد، ولعل القضية الأشهر في هذا المجال هي قضية موظف البحرية الأميركي جوناثان بولارد الذي قبض عليه متلبسا بعد أعوام من مراقبته من أجهزة الأمن الأميركية واكتشاف الكم المهول من المعلومات بالغة السرية التي سربها بولارد لإسرائيل وحكم عليه بالسجن وهو الآن يقضي فترة عقوبته، وحاول العديد من الإدارات الإسرائيلية المتعاقبة الطلب من الإدارة الأميركية إطلاق سراحه ولم تنجح، وها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يجدد المحاولة عبر قوة ضغط اللوبي الإسرائيلي القوي النفوذ في واشنطن ويرفع درجة المطالبة مستفيدا من التغيير الحاصل في الكونغرس الأميركي الأخير بعد الانتخابات النصفية، وذلك لطرح الموضوع من جوانب «إنسانية» وتضخيم أبعاده بـ«بكائيات» عاطفية وحملات علاقات عامة لتخفيف حدة الانتقاد الموجه ضد إسرائيل إزاء تعنتها المستمر في مواصلة تمددها الاستيطاني.

تاريخ التجسس الإسرائيلي هو مسألة أساسية في هوية «البقاء» الإسرائيلي، فهي تعلم أنها دولة مارقة ومعتدية ولا بد أن تعتمد على خلخلة أمن واستقرار الجيران لاستمرارها.

[email protected]