بالظيار تشكل الحكومات: العراق ولبنان!

TT

الظيار أو التظيير عند البدو أصله من «ظأر»، وهو خداع الناقة لإجبارها على إرضاع غير ولدها، فيؤتى بوليد آخر يوضع عليه جلد ابنها الذي مات ذبحا أو مرضا كي تدر الحليب ولا يتوقف بموته. فيقال «مظيّرة على غير ولدها»، والمثل كناية عمن يجبر على أمر لا يرغب فيه.

هكذا هو الحال مع الكتل البرلمانية العراقية، وبالذات كتلة المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم، والقائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي. المجلس الأعلى كان قد أعلن أنه لن يقبل بعودة المالكي رئيسا للوزراء، وكذلك أعلنت القائمة العراقية أنها الرابح الأكبر بين الكتل البرلمانية وبالتالي فإن الدستور يمنحها حق تشكيل الحكومة ولن تقبل بغير مرشحها رئيسا للوزراء. لكن الرفض القاطع للمالكي بالتخلي عن رئاسة الوزراء، والتوافق الإيراني الأميركي والمساندة الكردية، فرضت عودة المالكي رئيسا للوزراء.

التشكيلة الوزارية العراقية التي أقرها البرلمان العراقي على عجل بعد انتظار دام عشرة أشهر وولادة متعسرة - كما سماها الدكتور علاوي، جاءت ناقصة، ونقصها هو مكمن ضعفها، فالنقص لم يكن في وزارة خدماتية عادية، بل جاء في أهم الوزارات: الداخلية والدفاع والأمن الوطني. الوزارات الهامة هذه تأخرت بسبب عدم وصول «السير الذاتية» - CV لمرشحي الكتل - مثلما برر السيد رئيس الوزراء! لكن الأكيد أنه لم يتم التوافق عليها بين الكتل فآثرت تأجيل تسميتها لمسابقة الوقت قبل انتهاء مدة التشكيل التي لم يبق منها سوى يومين قبل إعلان التشكيلة، والتأخر عن المدة الدستورية يعني أن يرشح الرئيس طالباني رئيس وزراء آخر لتشكيل الحكومة.

يتمنى الواحد أن يكون أكثر تفاؤلا بمستقبل التشكيلة الوزارية العراقية التي أعلنت الثلاثاء الماضي، ولكن واقع التشكيلة وتأخرها وتركيبتها لا تدعو للتفاؤل. فالتشكيلة قد وافق عليها البرلمان بإجماع، وهذا ليس بالضرورة مؤشرا على قوتها قدر ما هو مؤشر على توافقيتها، وهذا التوافق لحظي: قائمة المالكي تريد تشكيل الحكومة بأي ثمن، وقائمة علاوي تريد وزارات معينة ورفع الاجتثاث عن أهم نوابها - صالح المطلك وظافر العاني، وهو ما تم. أما المجلس الأعلى فيصدق فيه المثل: «إذا أكلوا زادك، فرحّب». أي إنهم «مكره أخاك لا بطل»، فرضوا ببعض الوزارات، وينتظرون تعزيز مواقعهم استعدادا للمستقبل، وانتظارا لتبدل مواقف الآخرين. وحدهم الأكراد كمثل «الضرس العلوي: يطحن ولا يطحن عليه»، لم يعد يهمهم من يأتي من العرب كرئيس للوزراء ببغداد ما دامت أمور دولتهم بكردستان تسير على قدم وساق وتهريب.

قراءة في التشكيلة الوزارية العراقية لمتابعي المشهد توحي بأن تفكك هذه التشكيلة قد يكون أقرب من المتوقع، ولعل السيناريو الأقرب، وربما حتى الأفضل للديمقراطية العراقية أن تخرج القائمة العراقية من التشكيلة وتكون في صف المعارضة، فالديمقراطية تكون أرقى وأقوى بوجود معارضة وليس العكس، فقط نحن العرب نرفض المعارضة، فإما أن نزجها بالسجون، وإما أن نحاول احتواءها بحكومة عريضة واسعة الثوب وفضفاضة، وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة: لا نقبل بوجود المعارضة. والمشهد اللبناني دليل آخر على «ظيار» السياسة: توافقية وحكومة وطنية ولكن الثلث فيها يعطّل الثلثين: ديمقراطية عربية فريدة!! حزب الله يشارك في الحكومة، لكنه يحتفظ بسلاحه ويشن الحرب دون مشاورة الحكومة، ويهدد بتقويضها لو اتهمته المحكمة الدولية باغتيال الحريري!! وتبقى الحكومة اللبنانية دون مجلس وزراء لأن الثلث يريد فرض أجندة اجتماعاته رغما عن إرادة الثلثين؟ تذكرت مظفر النواب: «امتعضت روحك، كنت كمن يجبر أن يأكل فأرا».

للإنسان وبيئته علاقة ظاهرة وباطنة، ترى! هل «للظيار» علاقة بتشكيل حكوماتنا العربية، وديمقراطيتنا الفريدة؟