عبارات بلا معنى

TT

تربطني بالسفير فؤاد الترك، الأمين العام السابق للخارجية اللبنانية، صداقة قديمة ومودات، وتعمق هذه المودات علاقة السفير الترك بالأدب والشعر والثقافة. وقد اختلفنا عبر العقود حول نزعات اللبنانيين، واتفقنا دائما حول لبنان. وسوف تذكر الدبلوماسية لفؤاد الترك أمورا كثيرة، أهمها؛ أنه يوم قام الخلاف بين الرئيسين أمين الجميل ورشيد كرامي، ظل هو الجسر والمحاور الوحيد والثقة المشتركة، بين متنازعين حتى الخصام. ويوم رفض أن يرأس وفد لبنان، بحكم منصبه، لمفاوضة إسرائيل، علل رفضه بأهم الحجج التي لم تستطع حتى إسرائيل الاعتراض عليها.

منذ أن تقاعد السفير الترك تحول إلى همزة وصل بين اللبنانيين، كيفما اختلفوا أو تنازعوا. وقد جمعتنا معا منذ سنوات «ندوة العشرة» التي تضم عددا من الوزراء والسفراء والضباط السابقين، وجرت محاولات لتحويل الندوة إلى تجمع رسمي، وكان السفير الترك من مؤيدي الفكرة، في حين كنت من معارضيها في المطلق، وكذلك كان، ولا يزال، وزير العدل السابق الدكتور جوزيف شاوول.

ضحى كل سبت يتمتع أعضاء الندوة بحوارات مجردة، ويرأس الوزير شاوول الاجتماع، في حين يكون السفير الترك في الغالب هو المتحدث الرئيسي. وليس للندوة مدون، لكي تبقى الحريات على ما هي عليه. ويطيب لي أحيانا أن أدون ملاحظات ولمحات السفير الترك.. دعوني أشارككم في بعضها: طالبت بالتوقف عن استخدام المصطلحات المتداولة في الخطاب السياسي اللبناني الذي يتردد كل يوم بشكل ببغائي واجتراري وخشبي كعبارات: «العيش المشترك» و«التعايش» و«التلاحم الوطني» و«الانصهار الوطني» و«الوحدة الوطنية» و«الحرب الأهلية» و«السلم الأهلي» و«المؤامرة».. وسواها من «السلوغانات» و«الكليشيهات» التي ملها الناس، يقينا مني أن العيش المشترك يكون بين شعبين، ونحن شعب واحد على هذه الأرض منذ آلاف السنين، وأن التعايش يعني أن تعيش مكرها مع الآخر، وأن ما نسميه «مؤامرة» إنما هو مصالح الدول، وأن التلاحم يعني التقاتل حتى يصل اللحم إلى اللحم، وأن الانصهار يكون بين المعادن وليس بين البشر، وأن تسمية حربنا بأنها حرب أهلية فقط وبتجاهل العوامل الإقليمية والدولية، إنما يعني إعطاء براءة ذمة إلى كل من تدخل في أحداث لبنان، وفي الطليعة إسرائيل. وإن عبارة «السلم الأهلي» إنما هي نتيجة منطقية لعبارة «الحرب الأهلية»..

أقول ذلك يقينا مني بأن اللبنانيين يتوقون إلى خطاب سياسي أكثر طموحا يتناول اللبناني في حريته وأمنه وفي حقوقه الأساسية في التعليم والرعاية الصحية والمسكن والعمل وضمان الشيخوخة وما إلى ذلك، ويتناول الوطن اللبناني في كمال سيادته واستقلاله وقراره الحر، وفي دور ورسالة يعوضان عن صغر مساحته وضآلة عدد سكانه، كأن تعتمده الأمم المتحدة رسميا مقرا دوليا دائما للحوار بين الأديان والثقافات.

وفي مسيرتي أطلقت بعض الشعارات التي باتت معروفة ومنها: «أنا عامل عند رب عمل واحد؛ هو لبنان»، وأن «الفرق بين الذكي والعبقري، أن الذكي يعمل لإيصال نفسه إلى غايتها، والعبقري يعمل لإيصال وطنه إلى غايته»، وأن «الفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة، أن رجل السياسة يتصرف وكأن الأمة ملك له، بينما رجل الدولة يتصرف وكأنه ملك الأمة»، وأن «رجل السياسة يعمل للانتخابات المقبلة، بينما رجل الدولة يعمل للأجيال المقبلة»، وأنه «يجب أن يتحمل المسؤولية على الدوام من هم الأعرفون والأشرفون والأجرؤون».