لا لهذا السقوط

TT

يعرض الكتاب حول العالم، في مثل هذا الوقت من كل عام، أحداث السنة الفائتة وتوقعات العام المقبل. وكم نحن مساكين. الشواهد الماضية تؤسفنا والتوقعات الآتية تقلقنا. نحن بلاد تتربع وتنفي، منذ أن أصدر هنتنغتون «صراع الحضارات»، ونحن ننفي أن ثمة صراع حضارات، وإذا بالصراع لا يشمل العرب والغرب فقط، بل ها هو يشمل الحضارة الفارسية من جديد.

وكل عام ننفي أن البلاد مقبلة على التقسيم، وكل عام يتفتت أمامنا بلد آخر. وها هم مسيحيو العراق يلجأون إلى الشمال، وكأنما كردستان في دولة أخرى، وها هو المشير البشير يعلن، ببلاغة لا مثيل لها، أن انفصال الجنوب ليس نهاية العالم. يا سيدي المسألة المطروحة ليست نهاية العالم، فهذه ليست في يديك ولا في إرادتنا. المطروح هو نهاية الوحدة السودانية. السؤال بسيط ومحدد: هل انفصال الجنوب نهاية الوحدة السودانية؟ هل ما هو قائم في لبنان وحدة؟ هل تمثل حكومة المالكي، بعد نصف العام، وحدة العراق؟

لا يكفي أن نستخدم لا النافية على هذا المنوال كي يتحول النفي إلى حقيقة. الحقائق أعمال وإنجاز وثوابت، وليست أدوات لفظية. العالم من حولنا ينشأ ويتقدم ويستقر ويطلق الأقمار الصناعية، ونحن نستأجرها لكي نتخانق عبرها على كل شيء، ولكي ننفي كل شيء، إنما لا النافية هذه تلغي وجود البؤس والتخلف والمرض والعوز وعار الفاقة.

لا.. لا.. لا خطر على الوحدة في العراق وفي لبنان وفي السودان وفي اليمن. ولا مشكلات طائفية في مصر. ولا تقسيم في فلسطين، حيث تعلن حماس التزام الهدنة مع إسرائيل وترفض المصالحة مع رام الله. والآن سوف يهب قارئ كريم إلى قلمه ليكتب إلى البريد: لماذا لا ترون إلا ما تفعله حماس؟ لأن حماس يا عزيزي هي التي أعلنت التزام الهدنة مع إسرائيل وترفض مصالحة فتح - هي لا نحن - نحن كتاب نعلق على ما نرى ونسمع، ونبكي حال هذه البلدان، التي عرفناها في باب التقدم والنمو وهي الآن في عيد الفسخ.

انظروا إلى هذا العالم من حولكم واخجلوا. انظروا إلى إندونيسيا وإلى ماليزيا وإلى الصين وإلى الهند، وكفوا عن استخدام لا النافية للجنس. أقروا بما نحن فيه، لكي نستطيع الخروج إلى ما نريد أن نكون عليه. نحن أيها السادة في مستنقع تخلف وفرقة وخناقات وانحطاط. ولم يعد في اللغة لاءات تنفعنا أو تخفف من حجم أخطائنا. كفوا عن جلد ابنة الصادق المهدي ونساء السودان. هناك ما هو أحب وأفضل وأقل وحشة.