الاعتذار الإسرائيلي الثاني

TT

لا أظن أنه دار بخلد المسؤولين الإسرائيليين أن تتسبب عملية اغتيال شخصية قيادية فلسطينية من الدرجة الثانية في أزمة دولية مع أكثر من خمس حكومات هي أقرب الدول إليها، وأن تضطر إلى توزيع اعتذاراتها التي تظهر على الصحف قبل شهر حتى من وصول الاعتذار المتفق عليه كشرط لقبوله. هذا في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل تقديم اعتذار إلى صديقتها الوحيدة في المنطقة، تركيا، التي قتلت قواتها تسعة من الأتراك الذين شاركوا في حملة الإغاثة الاحتجاجية.

لماذا تعتذر هنا عن استخدام بضعة جوازات وترفض هناك الاعتذار لقتل تسعة أشخاص في المياه الدولية؟

اغتيال محمود المبحوح في دبي كان يبدو مجرد عملية عادية في نشاط الموساد الإسرائيلي، الذي يبدو أن المبحوح لم يكن سوى واحد في قائمة طويلة تخلصت منهم إسرائيل في أماكن متفرقة من أنحاء العالم، وسبق للموساد الإسرائيلي أن ارتكب جرائمه من قبل وسبق أن ارتكب أخطاء في عمليات اغتيال مشابهة في أوروبا راح ضحيتها أفراد آخرون بسبب تشابه في الهوية أو نتيجة وجودهم في مكان المعركة، لكن لم يعرف أن جوبهت إسرائيل بمثل ما تعرضت له من إحراج وملاحقة ومساءلة بسبب اغتيالها المبحوح. كانت هناك جريمة واحدة هددت علاقة التعاون الأمني مع بريطانيا عندما اتضح أن أفرادا من الموساد كانوا يراقبون مخططا لاغتيال الرسام الفلسطيني ناجي العلي في لندن في الثمانينات ولم يكشفوا عن أنفسهم للأمن البريطاني، إضافة إلى أنهم أدخلوا أسلحة بدون تراخيص من السلطات البريطانية. كانت تلك الأزمة الوحيدة التي ظهرت في العلن وعوقبت عليها إسرائيل بجملة إجراءات اتخذتها بريطانيا حينها. وهذه المرة أُجبرت إسرائيل على الاعتذار والتعهد بالتوقف عن إساءة استخدام علاقاتها، مثل تعهدها بعدم استخدام جوازات بريطانية في عملياتها السرية المقبلة. هذا هو اعتذارها الثاني من بريطانيا في ثلاثين عاما. ومعضلة إسرائيل، بخلاف بقية الدول، أنها لا تستطيع إرسال عملاء لأي غرض إلى المنطقة العربية إلا بجوازات دول أخرى، مزورة، والسؤال: جوازات مَن في المرة المقبلة؟

إسرائيل استهانت باختراق أراضي دولة عربية هي الإمارات، على اعتبار أن كل المنطقة في حالة حرب معها، وأن هذا يبرر لها ارتكاب جريمة قتل على أرض دبي. لكن ما فعلته أنها عرضت علاقات دول صديقة مثل بريطانيا وآيرلندا وإسرائيل وألمانيا وغيرها لإشكالات خطيرة، حيث أصبحت جوازات هذه الدول محل شبهة وفحص، وعرضت مواطني هذه الدول إلى وضعهم تحت الشبهة خشية الاستخدام الإسرائيلي. لا شك أن الإصرار الإماراتي على ملاحقة قضية المبحوح حقق تأديب تل أبيب بمحاصرتها، حيث أستبعد أن تتجرأ السلطات الإسرائيلية على الاستعانة بهويات هذه الدول أو شركاتها.

[email protected]