قوة سياسة أوباما الخارجية

TT

بالنسبة إلى عالم يشعر بالخوف (وفي بعض الحالات بالفرح) بسبب احتمالية حدوث تراجع أميركي، يعد موسم الإجازة الحالي موسما منعشا، إذ أظهر أنه على الرغم من الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة، فلا يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما قادرا على حشد الدعم وراء سياسة خارجية قوية، سواء أكانت في الداخل أم في الخارج.

وجاءت النجاحات التشريعية، التي حققها أوباما، خلال أسبوع أعياد الميلاد، تتمة لفترة مدتها شهران تمكن خلالها فريق السياسة الخارجية التابع له من تعزيز تحالفات هامة بدءا من شرق آسيا حتى الناتو. وبعد تعثر أوباما في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، أخذ زعماء دول يتحدثون همسا عن تآكل النفوذ الأميركي ووصفوا أوباما بأنه رئيس ضعيف وغافل. ورغم أن هذه المخاوف لم تنته بعد فإنها هدأت بسبب نجاحات حققها أوباما أخيرا.

كما كانت تحديات السياسة الخارجية خلال الشهرين الماضيين أول اختبار لمستشار الأمن القومي الجديد توم دونيلون. وعلى الرغم من أنه سياسي قادر على حل المشكلات فإنه لم يكن في بؤرة الأضواء، بل كان شبه مختف، وسيحتاج إلى أن يقدم نفسه كوجه عام أقوى من أجل تحقيق نجاح في هذا المنصب. ولكن أدار دونيلون عملية سياسية سلسة من دون الأصوات المنافسة التي كانت تعلو في بعض الأحيان خلال العامين الماضيين.

ويبدو أن نقطة التميز بالنسبة إلى دونيلون هي أنه رب البيت داخل مجلس الأمن القومي. وحاول سلفه الجنرال جيم جونز أيضا إدارة العملية بصورة منظمة، ولكن كان يجب أن يعيد النظر صوب رام إيمانويل، رئيس طاقم البيت الأبيض الذي كان يؤدي دورا أشبه بدور رئيس وزراء. وكثيرا ما كان إيمانويل يستخدم دونيلون (الذي كان نائب جونز) كعميل سياسة خارجية شخصي، وهو ما خلط بين مسؤوليات مختلفة.

«لدينا الآن عملية واحدة منظمة للسياسة الخارجية»، هذا ما ذكره مسؤول بارز في البيت الأبيض عندما سئل عن الاختلاف الذي حدث عقب رحيل إيمانويل وجونز.

الشيء الملحوظ في تحركات السياسة الخارجية الأخيرة هو أنها سمحت لأوباما أن يظهر بعض القوة في الشخصية، وهي سمة كان يخشى الأوروبيون، على وجه الخصوص، أن تكون غير موجودة. وقد كان هذا الحزم واضحا على نحو خاص في خطط الطوارئ من أجل كوريا الشمالية.

ويذكر البيت الأبيض ثمانية مكاسب محددة في مجال السياسة الخارجية خلال الشهرين الماضيين. وتبدأ القائمة برحلة أوباما إلى الهند في نوفمبر في وقت كان لا يزال يعاني فيه بسبب خسائر الديمقراطيين خلال انتخابات التجديد النصفي. أعطى ذلك انطباعا بفشل الزيارة، ولكن باسترجاع ما حدث يبدو أن ذلك كان إيجابيا نوعا ما، فداخل نيودلهي تمكن أوباما من تعزيز علاقاته مع الهند من دون إثارة غضب باكستان، وهذا أمر جيد.

وبعد ذلك تأتي كوريا الجنوبية، فعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لأوباما لأنه لم يحصل على اتفاقية تجارة حرة قبل وصوله فإن رفضه تقديم تنازلات اللحظة الأخيرة إلى سيول جعل الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه في ديسمبر (كانون الأول) أفضل كثيرا وحظي بدعم من كلا الحزبين. ويقال إنها أهم اتفاقية تجارة حرة منذ اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا «نافتا».

ويأتي نجاح ثالث في قمة لشبونة أواخر نوفمبر. وكان ذلك الإنجاز الدبلوماسي الأخير للراحل ريتشارد هولبروك الذي تمكن من ملاطفة الناتو كي تدعم جدول الانتقال داخل أفغانستان لعام 2014. وقد عزز ذلك من الحلفاء وغطى على الموعد الذي حدده أوباما للرحيل في يوليو (تموز) 2011، الذي يعد أكبر خطأ له في مجال السياسة الخارجية – حيث قوض من الزيادة في عدد الجنود بينما كان يعلن عنها قبل عام.

وجاءت مراجعة الاستراتيجية المتبعة داخل أفغانستان وباكستان خلال شهر ديسمبر، وهي التي تمثل النجاح الرابع، في نفس إطار لشبونة. ويتمثل إنجاز أوباما هنا في تجنب لغم سياسي محتمل. وأوضح مساعد في البيت الأبيض أن هدف الرئيس كان «ضبط الوضع جيدا وليس تغير القناة». وكسب بعض الوقت من خلال وثيقة لطيفة تحدثت عن تقدم ولكن وصفته بأنه «هش وقد يرتد عكسيا».

وتأتي بعد ذلك 3 فعاليات مسرحية كبرى خلال ديسمبر، وهي تشكيل حكومة عراقية وإلغاء سياسة «لا تسأل ولا تقل» (التي تمنع الجيش الأميركي من السعي إلى اكتشاف الميول الجنسية لأفراد الخدمة أو المتقدمين ولكنها تمنع من يعلنون عن شذوذهم صراحة من الانضمام للجيش) والتصديق على معاهدة «ستارت» الجديدة مع روسيا. وفي الثلاثة أمور، نجح أوباما من خلال العمل عن قرب مع مستشارين عسكريين ودبلوماسيين، ولا سيما الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة.

وفي النهاية، وربما كان ذلك الأقل ظهورا، كان الاختبار مع كوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن الإدارة لم تذكر الكثير من الأشياء علنا، فقد تم تعبئة الإدارة لاحتمالية الحرب إذا ما استمرت كوريا الشمالية في استفزازاتها. وحذر أوباما الرئيس الصيني هو جينتاو خلال مكالمة تليفونية قبل ثلاثة أسابيع، قائلا إن تهور كوريا الشمالية، وهي دولة نووية، يمثل تهديدا إلى الولايات المتحدة. ويعتقد البيت الأبيض أن الصينيين استوعبوا الرسالة وحذروا بيونغ يانغ.

ومن المؤسف أن الكارثة الأكبر بالنسبة للرئيس تتمثل في السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وقد قوض من أوباما ضعفه السياسي المتنامي، وأشك في أن أوباما الأقوى والمثالي سيمتطي صهوة هذا الجواد مجددا العام المقبل.

* خدمة واشنطن بوست