الشذوذ الجنسي في صحراء القصيم

TT

في أحد شعاب القصيم المكتنزة بجمال الصحراء وسحرها الفتان، وبالتحديد قرب قرية قطن الريفية، نحو 200 كم غرب منطقة القصيم، نصب الصديق الدكتور خالد الحمودي، مدير جامعة القصيم، الأربعاء الماضي، خيامه ليستضيف ثلة رائعة من المشايخ والأدباء والأكاديميين والمثقفين، لتنطلق هناك أجمل الحوارات وأكثرها إثارة ومتعة، يستمتع بها الجميع في الليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس وعند سويعات الأصيل، حوارات في الشأن الاجتماعي والسياسي والتاريخي والجغرافي والأدبي تتخللها مُلَح وطرائف أحالت شيب الحضور إلى شباب، أما المتحاورون، بخلفياتهم الثقافية المتنوعة، فقد أمسوا في هذه الرحلة الريفية الأنيسة الأنيقة كطبق متنوع من الفواكه المميزة مختلف أكلها ومذاقها وتسقى بماء واحد، وأجمل ما في الحوارات الخلوية أنها مثل صحرائها المنفتحة تحاول أن تتفلت من حدود المكان وقيود الزمان.

ولقد أراد أحد الضيوف الأصدقاء أن يمازحني بتذكيري بحوار «مناصحة» مثير سبق أن كتبت عنه جرى بيني وبين عدد من المثقفين الشاذين في منصتهم المخصصة لهم في ركن المتحدثين بالهايد بارك، الحديقة اللندنية الشهيرة، فكانت هذه الممازحة بوابة دلفنا منها للحديث عن الشذوذ الجنسي عند الشباب والصبايا في المجتمعات العربية المحافظة، وكانت التساؤلات والنقاش المطروح يتمحوران حول المريض بالشذوذ: هل أصيب به بسبب أمر عارض كتجربة قسرية سابقة مثل الذي يتعرض أو تتعرض لتحرشات جنسية في سن الصغر، أم أنه خلل جيني هرموني يصيب الإنسان بغض النظر عن درجة انفتاحه أو محافظته؟ وهل وصل الشذوذ بين الجنسين في بعض الدول العربية فعلا إلى حد الظاهرة بحيث تكسر حاجز التردد في مناقشته بشكل علني وصريح بغية معالجته، أم أن هذا الشذوذ بين الشباب والصبايا ما زال دون مستوى الظاهرة بحيث يعالج بطريقة محدودة وفي الغرف المغلقة، ومن غير ضجيج إعلامي قد يسهم بطريقة عكسية في «تفتيح» عيون مغلقة لم تكن تعرف عنه أصلا، كما يعبر عن ذلك المعارضون للمناقشة والتشخيص العلني؟

«العيون المغلقة» في ظني صارت من إرث الماضي ولم يعد لها وجود في ضوء الانفجارات الإعلامية الفضائية والإنترنتية المتسارعة، وأصبح أبناؤنا وبناتنا وفي مراحل عمرية مبكرة جدا عرضة بطريقة أو بأخرى لهذه المشكلة، بل بعضهم، أو بعضهن، وقعوا في هذه المصيبة الأخلاقية من دون أن يدري آباؤهم، والمشكل أن الآباء والأمهات لا يعون الحجم الحقيقي للمشكلة، ولو وقعت فإن الأب يتيه في عالم الحيرة، لا يدري كيف يتصرف، ولا كيف يفاتح ابنه أو ابنته، ولا يدري بمن يستعين، ولا كيف يعالج. صحيح أن ثمة حاجة ماسة لإجراء دراسات مسحية لاستطلاع الحجم الحقيقي لهذه المشكلة الخطيرة، لكن في الوقت ذاته لا يجوز أبدا التعتيم التام عليها بانتظار إجراء مثل هذه الدراسات، كما لا يجوز للباحثين والأكاديميين والمصلحين في المجتمعات العربية، مهما كانت درجة محافظتها، التهيب من مقاربة موضوع الشذوذ، وأن عليهم البدء فعلا بدراسته وتشخيصه وعلاجه إن كان فعلا ظاهرة أو تعزيز سبل الوقاية منه ومن انتشاره إن كان دون مستوى الظاهرة؛ لأن الأعراض المرضية في المجتمعات مثلها مثل الأعراض البدنية ما لم يتم التعامل معها في مراحلها المبكرة وإلا فإنها قد تصل إلى مرحلة يصعب فيها العلاج، ولقد أعجبني الدكتور محمد العريفي والدكتور إبراهيم الدويش حين كسرا حاجز الصمت حول هذا الموضوع الشائك، الأول قابل تلفزيونيا عددا من هؤلاء الشاذين، والثاني يحاول من خلال مركز «رؤية» معالجة هذه المشكلة بطريقته الخاصة.

[email protected]