قائمة كتب العام العلمية.. رؤى العلماء والقراء ودور النشر

TT

مع نهاية كل عام تبدأ وسائل الإعلام العالمية، خاصة الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وبعد سؤال فئة من العلماء والمختصين والمحررين والمراجعين النقديين والقراء ودور النشر، في تحديد والإعلان عن قائمة كتب العام المفضلة الأكثر شعبية والأعلى مبيعا، والتي تشمل غالبا جميع مجالات العلم والمعرفة بما فيها الكتب العلمية، بينما في عالمنا العربي قد يكون هذا الأمر مختلفا، إذ يكون التركيز والاقتصار فقط على تحديد كتب العام في مجالات معينة دون الأخرى، غالبا ما تكون كافة مجالات الأدب، بينما فئة الكتب العلمية تظل سنويا ودائما في الظل.

وللإعلام، خصوصا في الدول المتقدمة، تأثير مهم في غياب أو ظهور وإبراز كتب وكُتّاب معينين، وسنويا تحتل الكتب العلمية اهتماما بالغا، حيث يطلب من دور النشر والقراء وبعض العلماء ومحرري صفحات الكتب والثقافة والمراجعين النقديين تحديد الكتب العلمية التي قرأوها على مدار العام واختيار الكتب الأفضل والأبرز من بينها، ويتم الاختيار بناء على معايير ومقاييس معينة، من بينها أهمية الكتاب وقيمته لعامة الجمهور والأكاديميين وللمكتبة العلمية عموما، وكونه الأول من نوعه في تناوله لموضوعه، وتفرد وأصالة معالجته للموضوع، وغالبا ما يسهم ذلك في إشاعة ثقافة الاهتمام بقراءة وقيمة الكتب العلمية للمجتمع.

رؤى وتوجهات ورغبات ومتطلبات القراء وآراء العلماء والمختصين تعد من بين القضايا المهمة في خطط واستراتيجيات دور ومؤسسات النشر العالمية عند إصدار فئة الكتب العلمية، فبالإضافة إلى استقطاب دور النشر لأسماء مؤلفين وكتاب علميين وعلماء بارزين، تسهم أيضا في ظهور ودعم كتاب آخرين واعدين، ويكون ضمن إدارة دور النشر مستشارون علميون من علماء وكتاب علميين بارزين للتعرف على رؤاهم وتوجهاتهم نحو موضوعات ومجالات العلوم العالمية المهمة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار وتكون ضمن قائمة أولويات النشر العاجلة.

لقد أصبح من الضروري والمهم لعالمنا العربي للحاق بالثورات والتطورات العلمية المتسارعة، وللتعرف على قضايا واتجاهات العلوم والتكنولوجيا العالمية الحديثة، الإسراع والاهتمام المتزايد بتأليف وترجمة الكتب العلمية وفق خطط واستراتيجيات فاعلة يسهم فيها العلماء وذوو الاختصاص، مع الاستفادة من رؤى الكتاب العلميين وعلمائنا العرب في الداخل والخارج في تحديد قائمة بموضوعات ومجالات العلوم والتكنولوجيا ذات الأهمية العاجلة، وكذلك الاستفادة منهم في دعم وتشجيع القراء وعامة الجمهور لقراءة الكتب العلمية والتعرف على اتجاهات وقضايا العلوم الحديثة، وذلك من خلال استضافتهم في ندوات ومحاضرات عامة لمناقشة هذه الكتب مع مؤلفيها ومترجميها، في دور ومكتبات النشر والمكتبات العامة ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، وبخاصة القنوات والبرامج الثقافية في فضائياتنا المتزايدة، على أن يكون محور هذه اللقاءات تناول أهم وأفضل الكتب العلمية الصادرة التي تتناول موضوعات ومجالات مهمة للفرد والمجتمع، على أن يصاحب هذه الندوات واللقاءات دعم إعلامي كبير.

ومن المهم أيضا عمل استطلاعات للرأي للتعرف على توجهات ورؤى العلماء والقراء ودور النشر في مجال نشر الكتب العلمية.. على سبيل المثال: ما الذي يدفع القارئ لشراء وقراءة كتاب علمي معين.. هل اسم المؤلف، أم موضوع ومجال الكتاب، أم حاجته إليه في الدراسة، أم للمعرفة العلمية عموما؟.. وهل مشاركة علمائنا البارزين في الداخل والخارج في تأليف وترجمة هذه الكتب تساعد في دعم وتحفيز ودفع القراء لشرائها وقراءتها؟.. وما الذي يشجع دور النشر على طباعة ونشر الكتب العلمية.. هل اسم وشهرة المؤلف، أم مجال وموضوع هذه الكتب، أم علاقتها بالمناهج التعليمية، أم توجهات المجتمع واهتمامات ومتطلبات القراء؟.. وهل جودة الكتب العلمية وقيمة موضوعاتها تدخل في الحسبان بغض النظر عن اسم مؤلفيها ومترجميها؟ ولا شك أن الإجابة عن كل هذه التساؤلات وغيرها قد تفيد في وضع استراتيجية فاعلة لطباعة ونشر وقراءة الكتب العلمية، حتى لا يكون مصيرها النسيان والإهمال وأرفف المكتبات والمخازن.

ومن الممكن أن تعلن دور النشر، وبالتعاون مع وسائل الإعلام، عن مسابقات عامة حول الكتب العلمية البارزة الصادرة المؤلفة والمترجمة، تكون جوائزها مجموعة من الكتب العلمية ورحلات لمراكز ومعاهد البحوث العلمية لتقدير العلوم وجهود العلماء، والتعرف عن قرب على اتجاهات وقضايا العلوم الحديثة، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات أخرى عامة تدور حول تأليف كتب علمية في موضوعات ومجالات معينة تعاني المكتبة العلمية العربية من نقص فيها، فمن خلالها يمكن الكشف عن نماذج جديدة واعدة لكتاب ومؤلفين علميين يمكن تبنيهم ورعايتهم ودعمهم ماديا ومعنويا.

الخلاصة.. مسألة نشر وقراءة الكتب العلمية وتحديد قائمة سنوية بأفضلها، لم تعد رفاهية، بل أصبحت ضرورة حياتية وتنموية ملحة للتعرف على اتجاهات وقضايا وتحديات العلوم والتكنولوجيا العالمية المتسارعة، وبخاصة الحديثة منها، مثل تكنولوجيا النانو (التقنيات متناهية الصغر)، التي أصبح الاهتمام بها والتفاعل معها مطلبا أساسيا وحضاريا للتكيف مع الحاضر والاستعداد للمستقبل.

وأخيرا.. لو توجهنا بسؤال إلى العلماء والقراء ودور النشر ومحرري صفحات الكتب والثقافة لتحديد قائمة بأفضل كتب العام العلمية في عالمنا العربي، فماذا ستكون؟