الفصل الثاني من خطة الخداع

TT

في 17 ديسمبر (كانون الأول)، بعد يوم واحد من إصدار المصرف المركزي التركي قرارا بخفض معدلات الفائدة، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» مقالا بعنوان «اللغز المالي التركي». وعلى الرغم من استعراض المقال آراء متعارضة إزاء القرار وتجنبه إصدار حكم مبكر على تداعياته، فإنه اتسم بوجه عام بنبرة متشككة، مثلما يتضح من الفقرة التالية: «أنجزت لجنة السياسة المالية التابعة للمصرف، الجمعة، الفصل الثاني من خطة خادعة لإبطاء النمو النشط في الاعتمادات، وفي الوقت ذاته وقف تدفقات الأموال الساخنة التي تهدد بزعزعة استقرار خطوات الاقتصاد التركي السريعة نحو استعادة عافيته. وغامر صناع السياسة في أنقرة بالمراهنة على أن خفض معدلات الفائدة لتثبيط المستثمرين المضاربين ينطوي على مخاطر أقل عن إطلاق نوبة ازدهار استهلاكي محلي يخشى البعض من أن يسفر عن نشاط مفرط في الاقتصاد. ولا يزال من المبكر للغاية القول بما إذا كان هذا التحول المعقد في السياسة سيثمر عن النتيجة المرجوة، وهي خفض تدفقات الأموال الساخنة وتهدئة معدلات الإقراض المتقلبة. إلا أن السياسة تسببت في انقسام في السوق؛ حيث أثنى البعض على جرأة المصرف المركزي، معترفين بأن محددي معدلات الفائدة في موقف صعب يحاولون خلاله التوفيق بين أهداف متعارضة، بينما أبدى آخرون تفاؤلا أقل، محذرين من أن إقرار تحول مفاجئ في السياسة يثير الشكوك حول مصداقية المصرف».

وفي خضم بيئة تهيمن عليها الشكوك والتوجهات غير التقليدية إزاء السياسة المالية عالميا، بجانب إجراء انتخابات عامة وتغيير محافظ المصرف المركزي عام 2011، يمكن للمرء بسهولة تفهم السبب وراء ظهور آراء مختلفة وتردد حيال القرار؛ لهذا السبب، أكدت في مقالي السابق أهمية الحفاظ على مصداقية المصرف المركزي في أعين العناصر المشاركة في السوق؛ نظرا لأن مسألة تقدير حجم الزيادة اللازمة في نسبة الاحتياطي المقررة الكافية لموازنة الخفض في معدلات الفائدة، ليست بالأمر الواضح تماما. من جانبي، أرى أن المصرف المركزي تمكن من بناء مصداقية هائلة أثناء الأزمة العالمية عبر شروعه في تخفيضات استباقية في معدلات الفائدة، التي حذا حذوها الكثيرون لاحقا؛ لذا، أميل إلى الاختلاف عن أولئك الذين يرون في القرار الأخير مزيجا من المشكلات والمخاطر. الواضح أن المصرف المركزي يخطط للاعتماد على مفاجآت إيجابية محتملة على صعيد التضخم. ويمكنني تخيل ردود فعل المتشككين حال انحسار التضخم سريعا ووصوله إلى 5% أو أقل في نهاية فبراير (شباط) المقبل. وسيتمثل أول اختبار لهذه الاستراتيجية في معدل التضخم لديسمبر؛ حيث أتوقع انخفاضه عن نظيره في العام السابق. وقد يعني ذلك نجاح المصرف المركزي في بلوغ هدفه المحدد لعام 2010 البالغ 6.5%.

خلال الإعلان عن «سياسة المال ومعدل الصرف» لعام 2011، الصادر في 21 ديسمبر، ذكر المصرف أنه سيمضي قدما في سياسته لزيادة مطلب الاحتياطي تدريجيا لالتزامات الليرة التركية قصيرة الأجل، وربما سيدرس تغيير مطلب الاحتياطي الخاص بالالتزامات من العملة الأجنبية طبقا لاتفاق الاستحقاق. ويعني ذلك ضمنيا أن المصرف سيستمر في سياسة خفض معدلات الفائدة خلال اجتماعاته المقبلة لتخفيف حدة تأثير زيادة مطلب الاحتياطي.

من بين الإجراءات الأخرى المحتملة للمصرف المركزي توسيع مجال متطلبات الاحتياطي لالتزامات النقد الأجنبي. في هذا الإطار، أعلن المصرف المركزي أن عملياته خارج الميزانية ستخضع لرقابة شديدة. ويعني ذلك أن المصرف المركزي قد يدرس تطبيق متطلبات الاحتياطي على مبادلات الصرف، التي تعتبر مصدرا آخر لخلق تمويل رخيص من الليرة التركية.

والتساؤل الآن: هل سيقر المصرف المركزي هدفا جديدا؟

مع تحذيراته الأخيرة وذكره لإجراءات محتملة قد يتخذها، يبدو أن المصرف المركزي قد أقر هدفا ضمنيا بخصوص العجز الراهن بالموازنة، مع توقعات باقترابه خلال عام 2011 من المستوى الذي توقع به «برنامج الأجل المتوسط» (42.2 مليار دولار، أو 5.4% من إجمالي الناتج الداخلي).

إلا أن معظم التوقعات لعام 2010 تشير إلى اقتراب العجز الراهن بالموازنة من 45 مليار دولار هذا العام، مما يجعل مثل هذا الهدف طموحا للغاية. إضافة إلى ذلك، فإن الوصول لهذا الهدف يستلزم إبطاء شديدا في النشاط الاقتصادي، خاصة الطلب الداخلي. وبالتالي، فإن النضال لأجل تضييق العجز الراهن بالموازنة يعني في النهاية توخي الحذر في صياغة السياسات، وبالتالي تعزيز الثقة بالحكومة خلال عام انتخابي.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية