لقد رزق توأما

TT

يحدث أحيانا في بيروت، حيث السير مسموحات مطلقة وملكيات فردية، أن يجاورني سائق من جهة اليمين ويؤشر لي بأن أخفض الزجاج لكي يقول لي شيئا. ودائما يتكرر شيء جميل وسار: الرجل يريد أن يقول، في ذروة السير، إنه يؤيد ما أكتب أو ما أقول. وذات مرة كان المتحدث من نافذة السيارة المجاورة، أو المجاوزة، رجلا من منطقتي، بدأ الحديث بالقول: «أنت لا تعرفني، لكني أريد أن أبلغك بأننا معك في الانتخابات المقبلة». وعلت خلفنا الزمامير، بحيث لم يسمعني وأنا أقول له: من لم يفكر في الانتخابات الماضية لا يمكن أن يفكر في أي انتخابات مقبلة.

أكذب وأكابر إذا قلت إنني لا أسعد لمثل هذه الأشياء. أكذب إذا لم أعترف بأنني لم أفرح عندما أوقف سفير اليمن سيارته في منتصف الشانزليزيه وترجل ليلقي التحية، تاركا للفرنسيين أن يشتموا الدبلوماسية التي تعرقل السير. أو أنني يمكن أن أنسى الشاب السنغالي، الذي في قامة الرئيس عبده ضيوف، والذي ربت على كتفي من الخلف بطريقة أرعبتني، فإذا هو يريد إبداء محبته، وليس أن «ينقزني».

وأعترف بأنني كدت أدمن طلب المفاجآت التي من هذا النوع. وقبل أيام كنت أقود سيارتي في نفس الموقع الذي يطلب فيه مني سائق اليمين أن أخفض زجاج نافذتي، عندما سمعت جاري يزمر بشدة. تطلعت في الوجه الذي لا أعرفه، فوجدته يبتسم ويضحك فرحا، بل طربا. وترددت. فهذا مشهد غريب ولم يعد مألوفا في بيروت. فالضحكة مثل الأكمة، أصبحت لا تعرف ما وراءها.

تطلعت في الرجل مرة أخرى، فازدادت بشاشته، ومد رأسه من النافذة يريد أن يقول شيئا ملحا. وفتحت نافذتي (كل هذا في سير بيروت وعند جسر فؤاد شهاب) فإذا به يصرخ في صوت سمعته المدينة:

- مبروك.. مبروك.. اجاني (رزقت) توم (توأم) وهودي (هما) حلوينتهم (هديتهم) عليك!

وأسقط في يدي، على ما قالت العرب، فما هي مسؤوليتي إن كان هذا الرجل قد رزق توأما، أو أكثر، أو أقل؟ وما علاقتي بعائلته الكريمة، وأنا لا أعرف اسمه ولا اسم السيدة قرينته ولا اسمي التوأمين السعيدين، ولا حتى إن كانا ذكرين أو ابنتين أو تشكيلة، كما يقول البيروتيون؟ وتمنيت للرجل الفحل حظا سعيدا. وأغلقت نافذتي، وتركت سير بيروت يمشي.