المالكي والأحمدي

TT

استغرب البعض، وخاصة من المؤمنين بالليبرالية والديمقراطية، من إشارتي الوجيزة في دعم نوري المالكي، في إطار ما قلته عن «هذا الحاضر هذا الموجود». يظهر أن المرأة العراقية لم تستطع أن تخلف لنا رجلا من طراز مانديلا أو غاندي أو نهرو، ناهيك عن بسمارك أو شرشل أو كلمنصو. ربما خلفت لنا رجلا من مستواهم وقتلناه. يقول المثل «يا بنت فصلي دشداشتك حسب القماش الذي بيدك». على العراقيين أن يتعاملوا مع واقعهم وواقع ما لديهم من رجال. وألا يلوموا إلا أنفسهم على هذا التشرذم والفوضى.

يعتقد البعض أن الإيرانيين ماسكون برقبة المالكي وأنه يأتمر بأمرهم ولهذا دعموه فاستطاع الاستمرار بالحكم. إنني لا أعرف الرجل مطلقا ولا أعرف غير القليل عن حياته وتفكيره. ولكن شعورا ينتابني من نوع ما يسميه الإنجليز بـ«شعور المصارين»، في أن المالكي يلعب لعبته السياسية ككل سياسي في العالم. ليس في سعيه للبقاء في الحكم أي عيب. هذا ما يفعله كل سياسي، وإلا فلماذا هذه المعارك الضارية التي تجري في الانتخابات النيابية في الغرب وتشهيرهم بعضهم بالبعض؟ في معظم بلدان الشرق يتشبثون بالحكم ليستمروا في سلبهم ونهبهم واستبدادهم. في الغرب، يتشبثون به في الغالب لينفذوا ما لديهم من أفكار وبرامج. وتحدثني مصاريني بأن المالكي أقرب للفريق الثاني. والله أعلم طبعا.

وفي إطار هذه اللعبة الجارية في بغداد، لا يستطيع أحد أن يتولى الحكم دون طرف قوي يسانده. ربما أدرك أنه لن يستمر في الحكم بدون دعم طهران. ولكن دنيا السياسة مثل دنيا السفر جوا في هذه الأيام. فلتسافر من لندن لبغداد غربا عليك أن تركب طائرة تذهب شمالا إلى استوكهولم. وهناك تغير طائرتك إلى أخرى تسافر جنوبا إلى بغداد. كل ما جرى ويجري في التاريخ السياسي يمشي بهذا السياق. فأميركا زودت روسيا بالسلاح لتقهر ألمانيا ثم تحالفت مع ألمانيا وزودتها بالسلاح لتقف ضد روسيا. السؤال الآن: هل سيغير المالكي الطائرة بعد أن يصل الى «استوكهولم» ويسير في اتجاه آخر؟ هذا ما تقرقر به مصاريني. وأرجو أن تكون واعية بما قرقرت به.

على الطرف الآخر، لأحمدي نجاد لعبته أيضا. إنه يجيع شعبه ليصرف ما بيده على العراق والمنطقة العربية. كنت قد كتبت عن لعبة الروليت التي تقامر بها إيران الآن. هل سيربح أحمدي نجاد هذه اللعبة ويحصل لإيران على ما تريد، أم سيخسر اللعبة وتضيع كل المليارات التي وظفتها إيران في المنطقة، ولا تحصل على أي مردود من نوري المالكي؟ وهكذا ربما يجري سباق على طاولة الروليت بين المالكي والأحمدي. من منهما سيوفق في استعمال الآخر؟

أشعر هنا أيضا أن إيران ستخسر الروليت وتضيع فلوسها. فأمامها قوى جبارة؛ أميركا وإسرائيل مثلا، لا يطيب لها أن ترى طهران تسيطر على المنطقة، وتكون بيدها كل حنفيات النفط، ولا سيما إذا حصلت على أسلحة نووية.

أعتقد أن على العروبيين والديمقراطيين أن يمدوا المالكي ببديل يسهل عليه تغيير الطائرة، علما بأن العنصر الديني في العراق مجرد قطعة أخرى على الروليت.