مرحبا بكم في الشرق الأوسط

TT

في الحوار الذي أجرته زميلتنا في واشنطن مينا العريبي مع جي بي كراولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية حول السياسة الخارجية لواشنطن في 2010 ونشر أمس في «الشرق الأوسط» لجأ المتحدث إلى تعبير معروف بالإنجليزية عندما يراد تفسير شيء غير مفهوم يخرج عن القواعد أو التسلسل الطبيعي للأشياء قائلا: «أهلا أو مرحبا بكم في الشرق الأوسط».

وهو هنا كان يرد على سؤال يتعلق بالتعثر الذي حدث في أهم وعود الإدارة الأميركية بالنسبة إلى المنطقة وهو دفع عملية السلام وصولا إلى تحقيق حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهي قضية ازدادت إلحاحا ولا ينفع معها الحديث عن «الصبر الاستراتيجي» لأنه لو صبرنا أكثر من ذلك فلن يكون هناك شيء باق على الأرض لحله.

هذا الانطباع عن منطقة الشرق الأوسط بأنها خارج السياق الطبيعي لقواعد العلاقات والسياسة التي تسير عليها بقية العالم، أو مستعصية على الفهم، ينبغي الاعتراف بأنه انطباع موجود في بقية مناطق العالم وخاصة في الدول الغربية، وهو حتى قائم في تعاملات دول جوار للدول العربية.

وإذا أردنا أن نكون منصفين فعلينا الاعتراف بأن المنطقة أسهمت بالكثير في خلق هذا الانطباع العالمي، ولم تساعد نفسها، ونظرة واحدة على قوس الأزمات المشتعلة والقابلة للاشتعال فيها تعطي الانطباع الفوري بأنها مثل الرجل المريض على الخريطة العالمية الذي تزدهر على حسابه بيزنس الوساطات والمبادرات.

فنحن في نهاية 2010 ونستعد لـ2011 بقوس متسع من الأزمات يتمثل في جمود قاتل في عملية السلام على المسار الفلسطيني وتعنت إسرائيلي لا يقابله مواقف أميركية واضحة، وإن كانت المنطقة تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية بسبب الانقسامات والتنافس وعدم وجود رؤية موحدة لكيفية التقدم في هذا المسار.

هناك أيضا أزمة في المنطقة على المسار السوري، وفي لبنان أزمة المحكمة الدولية التي أعادت أجواء التوتر سنوات إلى الوراء بينما تطرح صيغة تحمل قدرا كبيرا من الابتزاز هي مقايضة الاستقرار بالعدالة والتي تعني اتركوا المجرم يهرب.. وإلا فالعنف.

في السودان هناك وضع جديد سينشأ مع ترجيح قيام دولة جديدة في الجنوب والحديث عن دستور ووضع جديد في الشمال، وفي الجوار أزمة دولة منهارة في الصومال ومشكلة مستعصية في القرن الأفريقي، وهناك أيضا في قلب منطقة الخليج وعلى مدخل البحر الأحمر وقرب شرايين إمدادات النفط العالمية مشكلات إرهاب وتمرد وحركة انفصالية في اليمن الذي يعاني أصلا من مشكلات تنمية حادة. ولا ننسى أزمة الملف النووي الإيراني التي تتقاطع مع بقية مشكلات المنطقة ولا يعرف أحد هل ستنفجر مرة واحدة لتسقط حممها على المنطقة أم أنها ستجد حلا.

قائمة طويلة عريضة من الأزمات والمشكلات التي تتنافس فيما بينها على أي منها لها أولوية التفكير والجهود. وتحتاج كل فرق إطفاء العالم لإطفاء الحريق الذي يمكن أن تتسبب فيه.

كل مناطق العالم لديها مشكلاتها، ولكن ليس بهذه الكثافة والتنوع وفي وقت واحد كالذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وما هو واضح من تجارب السنوات والعقود الماضية هو أن الأزمات ولادة أي تولد أزمات أخرى تكون وقود بعضها.. أي إن عدم حل واحدة يخلق أزمة جديدة في بقعة أخرى من المنطقة مثل الجسم البشري إذا مرض جزء منه ولم يعالج يؤدي إلى عطل في جزء آخر من الجسم، ولذلك فإن الدول العربية محقة في تأكيد أن أصل المشكلات والتوتر في المنطقة هو الصراع العربي الإسرائيلي، وأن الوصول إلى حل له سينفس الكثير من الأزمات الأخرى أو يجعلها قابلة للحل ويمنع استخدام هذا الصراع في أجندات أخرى، فضلا عن أنه سيعطي المناخ المناسب للتفرغ إلى أكبر الأزمات الداخلية وهي تحديات التنمية.

وهناك دعوات لأن تقدم المنطقة مبادرات وأفكارا تساعد على الحل وهذا صحيح، لكن الأطراف الخارجية مثل واشنطن ينبغي أن تتحمل أيضا مسؤوليتها وتقدم المساعدة الجدية باعتبارها طرفا متداخلا مع المنطقة.