لهذا استقبل الأردنيون شفاء الملك عبد الله بنفس فرحة السعوديين

TT

بقدر ما شعر الشعب السعودي بالارتياح كذلك فإن الأردنيين قد شعروا بتبدد القلق وانزياح غمامة ثقيلة عن صدورهم عندما شاهدوا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد خروجه من المستشفى في نيويورك جالساً بكل أناقته وهيبته ويطمئن أبناء شعبه وأبناء أمتيه العربية والإسلامية بأنه تعافى وأنه بخير وأنه سيعود قريباً بعد قضاء فترة نقاهة لن تطول، أغلب الظن أنها بعد أن بدأت في الولايات المتحدة ستنتقل إلى المملكة المغربية.

ربما أن بعض العرب لا يعرفون مدى عمق العلاقات السعودية - الأردنية وليس لديهم فكرة عن أن هاتين المملكتين الشقيقتين المتلاصقتين كتوأم سياميًّ لم تكن بينهما مشاكل حدود في أي يوم من الأيام بل ان المملكة العربية السعودية قد بادرت عندما شعرت بضيق ميناء العقبة، الذي هو المنفذ البحري الأردني الوحيد، إلى التنازل عن جزء من أراضيها على البحر الأحمر لتوسيع هذا الميناء الذي هو شريان حياة اقتصادي ضروري بالنسبة لهذه الدولة التي لولا هذا المنفذ المائي لكانت دولة قارية مغلقة.

باستمرار ومنذ وقت مبكر بقدر ما بقيت المملكة العربية السعودية جدار الاستناد الرئيسي للمملكة الأردنية الهاشمية والشقيق الصادق والحريص والمخلص بقدر ما بقي الأردن الحارس الساهر على الحدود الشمالية لهذا الشقيق ومنع تسريب وتهريب كل ما يهدد هذه الدولة الشقيقة ويضر بها وباقتصادها من سلاح ومتفجرات وتجارة محرمة وقاتلة مثل المخدرات ولعل ما يبعث على الافتخار والاعتزاز أن هذه المسألة لم تخضع في أي يوم من الأيام لا للابتزاز ولا للمساومة على غرار ما تفعله بعض الدول العربية مع أشقائها الأقربين والأبعدين.

في بدايات سنوات خمسينات القرن الماضي عندما انتقلت مسؤولية أمانة الحكم إلى الراحل الكبير الملك حسين ابن طلال، وكان لا يزال لم يبلغ السن القانونية والدستورية بعد، كانت المنطقة تتعرض لعواصف سياسية عاتية وكان الأردن يهتز كقصلةٍ في مهبَّ الريح في قلب هذه العواصف ويومها كانت هزيمة عام 1948 لا تزال مرة في حلوق العرب والمسلمين وكانت الجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط لم تستقر بعد وكانت آفة الانقلابات العسكرية على الشرعيات القائمة قد بدأت في مصر وسورية وبدأت عدواها تنتقل، وإن في هيئة أفكار وعقائد حملتها بعض الأحزاب والتيارات المتأثرة بالثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي وبالتجربة الستالينية الاستبدادية، إلى بعض الدول العربية.

كانت أوضاع الأردن الاقتصادية مربكة ومتهاوية وبخاصة أن نكبة عام 1948 قد قذفت في اتجاه هذا البلد الصغير الشحيح الموارد والقليل الإمكانيات بمئات الألوف من اللاجئين من الأشقاء الفلسطينيين.. وهكذا وعندما التفت الأردنيون نحو أشقائهم فإنهم لم يجدوا إلاَّ المملكة العربية السعودية وإنهم لم يجدوا إلاَّ ذلك الطود الشامخ الملك عبد العزيز آل سعود الذي سارع بكل الإمكانيات المتوفرة، وكانت في ذلك الوقت لا تزال شحيحة، لضمان استقرار دولة شقيقة زادت مستجداتها الإقليمية بالإضافة لظروفها الداخلية في مآزقها السياسية والإقتصادية.

ثم ولعل ما لا يعرفه بعض العرب أن المملكة العربية السعودية كانت المبادرة لإرسال قوات إلى الأردن بقيت ترابط على الأراضي الأردنية لسنوات لاحقة طويلة أولا، عندما اندلعت حرب عام 1948 ثم بعد ذلك عندما اندلعت حرب عام 1967 وهذا بالنسبة للأردنيين يعني صدق الأخوة على أساس أن «الجود بالنفس أقصى غاية الجود» ويعني حقّاً أن هذه الدولة الشقيقة تشكل الجدار الشامخ والصلب الذي يستندون إليه ليس في أوقات الحروب واهتزاز الأمن فقط بل وأيضاً في كل الأوقات.

كان يجب أن يقال هذا الكلام بصوت مرتفع منذ خمسينات القرن الماضي، وحقيقة أن الراحل الكبير الملك حسين بقي يقوله وبصوت مرتفع وبقي يردد في كل المناسبات أنه لم يشعر بعدم وجود جدار استنادي لبلاده ولشعبه وبخاصة في زمن العواصف الشديدة في فترة الحرب الباردة وصراع المعسكرات بوجود المملكة العربية السعودية والشعب السعودي الشقيق.. بوجود هؤلاء الرجال العظام الذين تناوبوا على حمل المسؤولية القومية والإسلامية بعد رحيل الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه.

إن هناك محطات رئيسية في العلاقات بين المملكتين الشقيقتين والمحطة التي استعادها الأردنيون، وهم يشاهدون على شاشات الفضائيات الملك عبد الله بن عبد العزيز يغادر المستشفى في نيويورك مُعافى وبصحة جيدة، هي عندما خاطبهم فور وصوله إلى عمان بعد انتقال الملك حسين إلى رحمة ربه بقوله : «نفْدي الأردن بالأرواح.. ووالله كما أن علاقاتنا كانت سابقاً متينة فإنها ستصبح بعون الله أمتن، فالأردنيون ورجالات الأردن وأهل الأردن أعزاء علينا ولذلك فإنه من غير الممكن أن نفرط بالأردن مهما كان».

وإن ما يؤكد كم أن هذا الذي قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز للأردنيين، وهم في لحظة وجع وخوف، أن الإعلام الأردني خلال آخر زيارة قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى عمان قد ردده خلال اليومين اللذين استغرقتهما هذه الزيارة أكثر من أربعين مرة وأن كل أردني قد قفزت إلى ذهنه بالتأكيد تلك اللحظة التاريخية فعلا في الأيام الأخيرة وهم يتابعون وقائع رحلة هذا القائد العظيم العلاجية إلى الولايات المتحدة التي تكللت بالصورة التي نقلتها شاشات الفضائيات وهو يغادر المستشفى في نيويورك معافىً وبصحة جيدة.

وكما أن الأردنيين يتذكرون في هذه الأيام كل هذا التاريخ الطويل من المساندة «الأخوية» الصادقة لهم ولبلادهم ويتذكرون هذا الذي كان قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان يومها وليّاً للعهد، لهم في لحظة حزن نبيل وعيناه مغرورقتان بالدموع، فإنهم يتذكرون أيضاً أن الأمير سلطان بن عبد العزيز قد قال لهم أيضاً وفي هذه المناسبة الحزينة نفسها «إن الأردن هو سواد (بؤبؤ) العين» وإن المملكة العربية السعودية ستكون إلى جانب الشعب الأردني وانها لن تتخلى عنه وهو يواجه هذه المرحلة الجديدة.

ثم هناك تجربة خاصة؛ فقد كنت قد سمعت من العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين قوله، في مجال العودة للحديث عن فتنة حاول بعض العرب دق أسافينها بين المملكتين الشقيقتين في بدايات تسعينات القرن الماضي على خلفية احتلال صدام حسين للكويت: أنا أمثل الجيل الرابع للهاشميين في الأردن وأنا وأبناء هذه الأسرة لم نعد حجازيين على الإطلاق.. إننا أردنيون وإن الماضي قد ذهب وانتهى وإن علاقاتنا بالأسرة السعودية علاقات أشقاء وعلاقات أخوة صادقة ومتينة.

ولقد نقلت هذا الكلام للأمير سلمان بن عبد العزيز عندما التقيته في مبنى جريدة «الشرق الأوسط» في لندن بحضور الأمير عبد العزيز بن سلمان والأستاذ عبد الرحمن الراشد الذي كان يومها رئيس تحرير هذه الصحيفة، ونقلت إليه أيضاً أن الأردن يمر بظروف اقتصادية في غاية الصعوبة وكان جواب سموه وهو يضع كف يده اليسرى فوق رأس الأمير عبد العزيز: أقسم بالله أنني أحب الملك عبد الله (الثاني) كما أحب عبد العزيز.. إننا لن نتخلى عن الشعب الأردني وإننا لن نترك الأردن يواجه ظروفه الصعبة لوحده.

إن هذه هي حقيقة العلاقات السعودية - الأردنية، فالجوار حسن والأخوة صادقة والمملكة العربية السعودية تشكل جدار الاستناد الرئيسي للمملكة الأردنية الهاشمية ولذلك يجب ألاَّ يستغرب العرب عندما يسمعون أن فرحة الأردنيين كانت بقدر فرحة أشقائهم السعوديين عندما شاهدوا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمد الله في عمره وهو يغادر المستشفى في نيويورك بصحة جيدة.