عن أي «محيط عربي» يتحدثون؟

TT

في تناولهم للشأن العراقي في حاضره المتدهور الموروث عن ماضيه، يستوقف المرء ما اصطلحوا على تسميته «المحيط العربي» الذي، لشيوع استعماله، بات يشكل مصطلحا، وأن الإهابة بالعراق بالرجوع إليه لتخليصه من مشكلاته المزمنة التي تكاد تستعصي على الحل، راحت تتكرر وتتضمن اتهاما ضمنيا وأحيانا صريحا له بالتنكر لذلك «المحيط» والنأي عنه، فالخروج على «الإجماع العربي». ومن الأمثلة على الإهابات والدعوات: الفقرة التالية من مقال كاتب سياسي أفضل عدم ذكر اسمه: «الأكيد أن العراق لن يستقر إلا بعودته إلى محيطه العربي»!

ويوحي الوجه الآخر لقوله، وكأن الدول العربية الأخرى في ذلك «المحيط» في بحبوحة ونعيم، أو جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.

لو قدر وجود للبشر في كوكب ما، وتناهى إلى سمعهم «المحيط العربي» وكيف أن الفراق عنه يجعل من الأفراد أو الجماعات، كمغرد خارج السرب، يهلك، لذهب به الاعتقاد إلى أن المحيط موضوع البحث يحاكي الاتحاد الأوروبي وينافسه بحيث يغري الأمم والدول بالانضمام إليه، مثل إغراء الاتحاد الأوروبي لتركيا. في آن نجد فيه دولا عربية مثل: لبنان والصومال واليمن والسودان وإلى حد ما الجزائر أيضا تتماثل أوضاعها مع أوضاع العراق الزاخرة بالقتل والذبح والدمار شبه اليومي. أما الدول العربية الأخرى التي لم ترتق الأوضاع فيها إلى مثيلاتها في تلك الدول، لكنها تعاني بدورها الإحباطات، وبدرجات متفاوتة، وبحسب تقارير المنظمات الدولية، فإن الأقطار العربية تتصدر بقية أقطار العالم في مجال تفشي الأمية والجهل والفقر والفساد وغيرها من الأمراض الاجتماعية.

ومن مواصفات وخصوصيات «المحيط العربي» الذي يطالبون العراق بالعودة إليه: الشقاق والاختلاف في التوجه الذي يتقاطع مع مصالح شعوبها. أضف إلى ما ذكرت نشوب حروب ونزاعات دموية فيها ذات مرامٍ انفصالية على أسس قومية أو دينية أو مناطقية، أي عربية – عربية، كما في جنوب اليمن والصحراء الغربية وقطاع غزة.. الخ، ناهيكم عن خلافات حدودية بين بعض منها. وإذا توخينا الدقة فإن علاقات دول «المحيط»، مع الدول خارجه، أفضل بكثير من تلك التي تسود فيما بينها، ولو تم تخيير الأمم غير العربية وغير الإسلامية في البقاء داخل دول «المحيط» أو الانفصال عنه، لاختارت سريعا الخيار الثاني، الذي يعكس رغبات حتى شعوب عربية وفق المناطقية، أيضا في الانفصال. عدا ما ذكرت، فإن الأخبار منذ فترة تتناقل جدلا في موريتانيا عن احتمال قيامها بإعادة النظر في هويتها العربية بل ولغتها العربية أيضا.

لذا وبعد استعراض حالة التداعي والتمزق والتدهور الميئوس منه، بإيجاز، للعالم العربي. هل يغري هذا «المحيط» أحدا بالبقاء فيه أو الانجذاب إليه؟ ثم لماذا المطالبة بعودة العراق إليه دون أقطار عربية غيرها تعاني ما يعانيه العراق؟ يكفي أن نعلم أن العراق نال كفايته من خصائص «المحيط» الفردوس. لماذا دعوة العراق دون سواه إليه، والذي يتمسك بالجامعة العربية وينشد بجد تحسين علاقاته مع أعضائها، وليس هناك ما يدل على بوادر عصيان له على العروبة والعرب لغة ودينا وتقاليد، ونية في الاعتراف بإسرائيل كما فعلت دول عربية في «المحيط» نفسه، دون دول عربية أخرى تتماثل معه وتشاركه القواسم والمواصفات للعودة إلى «محيطه العربي»؟

هل الهدف من هذه الدعوة هو انتزاع السلطة من العرب الشيعة العراقيين الذين يؤلفون أكثرية سكان العراق، وإعادتها إلى الأقلية السنية. فالعراق في رأي البعض يكون - إذا حكمه السنة - في القلب من «المحيط العربي» حتى إن ارتكبوا (أي الحكام السنة العراقيون) أفعالا مشينة كشن الحروب على الكرد في الداخل، أو إيران والكويت في الخارج، وقاموا بقصف للسعودية والإمارات بالصواريخ كما فعلوا دون خجل أو وازع من ضمير في حرب الخليج الثانية.

* كاتب كردي عراقي