الصراع من أجل إيران جديدة

TT

تجذب الجمهورية الإسلامية إليها الأنظار في الوقت الحالي، ويرجع ذلك بالأساس إلى تحديها النووي. لكن تحت الأضواء المحيطة بالقمم غير الحاسمة ومزاعم للتمكين الاقتصادي، يبقى سؤال هام: إلى أي مدى الدولة الدينية في إيران مستقرة؟ بالنسبة إلى عدد كبير داخل الحكومة في واشنطن، أصبحت «الحركة الخضراء» المعارضة شيئا من الماضي تلاشى في الذاكرة وموجة من الاحتجاجات ضد تزوير الانتخابات قمعها النظام الإسلامي بشكل أدى إلى إضعافها إن لم يكن إنهاء وجودها تماما. وأخفقت هذه المشاعر في فهم سؤال أهم: كيف يمكن تقييم قوة وحيوية حركة معارضة في دولة ساحتها السياسية محيرة للغاية؟ ,لا تعد الجمهورية الإسلامية نموذجا نمطيا للدولة الاستبدادية، لكنها نظام آيديولوجي استثنائي. وتحتاج هذه الأنظمة إلى تفسير وجدال لتبرير قمعها ومغامراتها الفضولية في الخارج. قد يتورط أوصياء الدولة الدينية في أعمال مشينة، لكنهم يقومون بذلك من أجل الدفع قدما بقضية تاريخية وتحقيق نموذج سامٍ محدد. وفي مثل هذه الدولة، يحتاج الضابط الذي يرتدي زيا رسميا ورجل الشرطة الذي يرتدي زيا مدنيا وأفراد الحرس الثوري إلى غطاء آيديولوجي لتبرير ما يقومون به من أعمال وحشية لأنفسهم.

الانتصار الضعيف لحركة المعارضة الخضراء هو فضح الدولة والتوضيح للمخلصين أنهم لا يدافعون عن نظام قويم سامٍ، بل عن جبناء قساة القلوب يدمنون السلطة ويتمسكون بها بأي ثمن. كما قال رجل الدين الإصلاحي الراحل آية الله حسيني منتظري، أثناء الأعمال القمعية بعد انتخابات يونيو عام 2009، لم تعد الجمهورية الإسلامية إسلامية ولا جمهورية.

ولاحظ كرين برنتون، في دراسته عن الثورات، أن الطبقة الحاكمة أصبحت مهددة عندما «بدأ عدد كبير من الأفراد البارزين لهذه الطبقة يعتقدون في عدم أحقيتهم للسلطة وسخافة ما نشأوا عليه من معتقدات».

وبدأ عدد كبير من أفراد النخبة الحاكمة، منذ الانتخابات الرئاسية المزورة، في التخلي عن إرثهم الثوري والنأي بأنفسهم عن حكومة دافعوا عنها من قبل. وتخلى الرعيل الأول من رجال الثورة، الذين شهدوا قيام الجمهورية، ورؤساء سابقون ونواب في البرلمان ومخلصون للدولة، عن معتقدات إخوانهم المسلحين. وتجد زعامة الجمهورية الإسلامية المتراجعة نفسها في الموقف نفسه الذي واجهه قادة الاتحاد السوفياتي الذين أقاموا سلطتهم على أساس الترويع ولكن أثبت ذلك عدم فاعليته وضعف قدرته على البقاء. وبموازاة الانشقاقات التي تشهدها صفوف النخبة الحاكمة، ما زالت الجمهورية الإسلامية في مواجهة مستمرة مع مقاومة شعبية. الهدف الرئيسي لأي نظام ديكتاتوري هو تفتيت المجتمع وعزل أفراده، ليشعروا بالوحدة والإحباط، داخل منظومته القمعية.

لكن أثبتت حركة المعارضة أن تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين قد ساعدت كثيرا على كشف ادعاءات الاستبداديين، فقد دعمت الشبكات الإعلامية الاجتماعية الفئات التي تناهض حكم الملالي وتحث على الأعمال الاحتجاجية. إيران بلد الإضرابات العمالية والمظاهرات الطلابية وفعاليات إحياء ذكرى الأحداث الرمزية. ويبدو أن لاستمرار الانشقاق تأثيرا مدمرا على نظام يواجه أزمة شرعية لا يمكن تداركها ومقاومة لا يمكن إخمادها.

إن الإنجازات التي حققتها حركة المعارضة رائعة، فقد أحدثت شرخا داخل الدولة، وتفوقت في الجدل الفكري الدائر بشأن مستقبل إيران، وجذبت انتباه قطاع عريض من الشعب. لكن من الضروري التأكيد على عدم وجود أي ضمانات لتولي «الحركة الخضراء» السلطة خلفا لرجال الدين الديكتاتوريين. ورغم أن الجمهورية الإسلامية في طريقها، بثبات.. وإن كان بصعوبة، إلى السقوط من ذاكرة التاريخ، فلا يزال مستقبل إيران محل خلاف وصراع. وربما تتعرض إيران إلى التمزق وتشهد فترات طويلة من العنف والطائفية في مرحلة ما بعد الجمهورية الإسلامية. وكذلك قد تظهر على السطح قوة ديكتاتورية أخرى تقوم على الشوفينية الفارسية أكثر مما تقوم على الخطاب الإسلامي. وستساعد مجموعة القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم في التأثير على شكل السلطة في إيران غدا. ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة عليها وقف المفاوضات مع إيران، فقد استمر رونالد ريغان في التوقيع على معاهدات للحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفياتي، الذي كان يرى أن انهياره مؤكدا. وإن السعي إلى تحقيق أهداف أمنية هامة لم يمنع ريغان من دعم حركة «التضامن» في بولندا أو ما شابهها من حركات المعارضة في أوروبا الشرقية. والمهم ألا يقتصر التعامل مع معضلة إيران على إجبارها على ترك جزء من مخزونها المتراكم من اليورانيوم. وتتوافق اختياراتنا مع قيمنا كما تتوافق ومصالحنا. وعلى المدى الطويل لن تخطئ أميركا بمساندة الذين يأملون في مستقبل أفضل.

* زميل في مجلس العلاقات الخارجية

* خدمة «نيويورك تايمز»