وجه (ابن فهره)

TT

قد تلاحظون أنني أتحدث غالبا عن أناس إما شبه أسوياء أو في أحسن الأحوال شبه مجانين، وهذا صحيح (100%)، وقد يكون ذلك مؤشرا صادقا على تعاطفي معهم، لأنني - للأسف - أنتمي تقريبا أو مؤكدا لفصيلتهم، سواء شئت أم أبيت.

واليوم، أريد أن أتحدث عن رجل ينتمي لهذه الفصيلة الغير أو شبه المباركة، ذلك الرجل أحسده حسدا مريرا، لأنه متصالح مع نفسه بطريقة (تفقع المرارة) أحيانا، فلم أشاهده يوما متذمرا، أو يائسا، أو محبطا، هوايته التي يمارسها في حياته الخربانة هي (التجريب) في كل شيء، وإذا قال له أحد: إنني أحب المشي وأسير كل يوم ستة كيلومترات، خاض في هذا المضمار، أو قال له ثانٍ: إنني أحب أكل (السوشي)، ذهب حالا لأقرب مطعم ياباني وأكل ما يقدم له دون أن يسأل هل الذي يأكله سمك أم سلاحف أم ثعابين!

لديه حب استطلاع عجيب، ودائما يحشر أنفه في ما لا يخصه في كل شيء، إلى درجة أنه لو فكر أحدهم أن يدخل في جحر ضب، لسبقه في ذلك وحشر رأسه داخله دون تردد ولا تفكير، وهذا هو ما حصل له فعلا لاحقا.

وقد ذكر لي أحدهم أنه قد رافقه يوما في مدينة إيطالية وقال: بينما كنت أتسكع معه ليلا ومررنا بملهى مشبوه، وترددت أنا بل وأحجمت عن الدخول، خصوصا عندما شاهدت أن صالة ذلك المكان لا بد أن تدخلها عبر درج يهبط بك تحت الأرض، غير أن ذلك الأهبل أراد الدخول، حاولت منعه ولكنه أصر فتركته في ستين داهية، وعرفت منه في ما بعد أنه عندما نزل إذا به في مكان مظلم لا يكاد يتبين ما حوله، وإذا برجل طويل عريض كالمصارعين يولع كشافا ويسلطه على عينه قائلا له: افتح زجاجة (شمبانيا) لهذه السنيورة، فقال: إنني لا أشرب ولا أقرب المنكر ولا أريد هذه السنيورة، إنني فقط أردت أن أتعرف على هذا المكان وأخرج، فضحك في وجهه ولسان حاله يقول: دخول الحمام ما هو مثل خروجه يا حبيبي! وصاح فيه وهو يحرك سكينا طويلا في وجهه قائلا: إذن هات محفظتك لو سمحت، فقدمها له مكرها طلبا للسلامة، فنتشها منه ثم سحبه من رقبته وصعد به إلى باب خلفي آخر، ثم صفعه قبل أن يدفعه للشارع قائلا له بما معناه: اصحى تورينا وجهك مرة أخرى، وإلا سوف أشرطه لك.

وفي سنة من السنوات، وكنت وقتها مهتبلا الراحة ومصيفا في جنوب إسبانيا، وإذا بذلك الأهبل نفسه يتصل بي ويبشرني بقدومه قائلا: إنني أسكن في الفندق الفلاني، فذهبت إليه مجاملا مع صديق آخر، وبينما كنا الثلاثة نسير ظهرا بمحاذاة الشاطئ، فقال ذلك الصديق: إن هناك شاطئا للعراة غير بعيد منا، وما كاد ينطق بذلك حتى تقافز (الأهبل) يريد أن يذهب له، فما كان مني إلا أن غمزت لصديقي قائلا: لا.. إن ذلك المكان قد أغلقوه قبل سنوات.. قلت هذا وأنا في الواقع كنت أكذب، لأنني لو لم أفعل ذلك لذهب (الأهبل) إليه دون أي خجل، وكنت أخشى ما أخشاه أنه سوف يطبق حتما المثل القائل: إذا كنت في روما فافعل مثلما يفعل الرومان، لأنني أعرفه جيدا فهو (وجه ابن فهره).

ومن كان منكم لا يعرف من هو (ابن فهره) فعليه أن يسأل عنه.

[email protected]