بدلا من أن تهش على قطعان الزمن!

TT

أمام أحد المقاهي الليلية في إحدى العواصم الأفريقية اعتاد حوذي أن يقف بعربته التي يجرها حصان عجوز أمام المقهى لإيصال الزبائن إلى غاياتهم، وكان حصانه العجوز ينوء بحملهم أحيانا، ويتوقف عن المشي، فيركض الحوذي وحده سابقا العربة والحصان والزبائن، هكذا وجدت حالي قبل أيام في شتاء لندن، يمر الوقت بطيئا كحبات مسبحة تكر في أنامل زمن مسترخ، فالدقيقة تحتاج لمن يحملها ويدللها لكي تعبر من أمامك، حتى عقارب الساعة في يدك تزحف في بطء قاتل، وكأن الروماتيزم قد داهم مفاصلها للتو، فلا تملك إلا أن تستبق بخيالك الوقت بدلا من أن تهش على قطعان الزمن.

تتخيل الناس في غرفتك اللندنية الباردة في شارع قابل، ومقهى النخيل على الكورنيش، وسور الحوامل، فتتمنى لو أخذت إلى مدينتك جدة بضع ساعات، بثوبك الأبيض، وياقتك المفتوحة لتتدفأ قليلا قبل أن تعود إلى هنا من جديد، يشدك حوار في إحدى الفضائيات العربية عن حقوق المرأة، فتتذكر قريبتك الجامعية التي تعمل معلمة في إحدى المدارس الأهلية براتب خادمة، تمر على ذاكرتك حكاية أبناء تلك المرأة التي تزوجت من أجنبي، فلم تستطع أن تمنح أبناءها جنسيتها، بينما أبناء كل أقاربها الذكور الذين تزوجوا من الشرق والغرب ينعمون بالمواطنة، فالعالم لم يزل لدينا رجلا.

أبدل القناة بائسا إلى أحد البرامج الرياضية، كان البرنامج يطرح قضية اللاعــــب الكويتي الموهوب فهد العنزي نجم «خليجي 20» إن كان سيشارك في كأس آسيا أم لا، لأنه من فئة الـ«بدون»! أرحل صوب قناة ثالثة، كانت مطربة حسناء تغني:

«رجب.. حوش صاحبك عني

رجب صاحبك جنني».

فسرحت فيما يمكن أن تسفر عنه شهامة رجب لفض الاشتباك، وأبقيت «الريموت كنترول» على مؤشر القناة، لكن رجب خذلني، وظل على مقاعد المتفرجين «لا يهش، ولا ينش، ولا يرمي بحجر»، ربما مل رجب من فضة الكلام.. ربما.

[email protected]