ماو وماري أنطوانيت

TT

كان مسؤول عربي راحل يعاتبني كلما التقيته: «ما بالك لا تكف عن انتقاد ماو تسي تونغ؟ هل تنسى أن الصينيين كانوا حفاة عندما قادهم إلى المسيرة الطويلة». وكان يضيف، تأكيدا على التأنيب: «ولم يكن الصيني قادرا على أن يلف قدميه إلا بأوراق الصحف». وكان ردي أنه كان في الإمكان العثور على طعام وأحذية وألبسة من دون قتل 60 مليون صيني، وتعذيب مئات الملايين، وتدمير حياة جميع الشعب، إلا «مترجمات» ماو وأعضاء المكتب السياسي وطبيبه الخاص.

كان من المستحيل توجيه أي نقد لماو خلال حياته. ثمة صورة زرعتها الدعاية في عقول الناس، عن مدى حكمته ومدى عظمته ومدى عبقريته. والحقيقة أن ميزته الوحيدة كانت قوته وقدرته على إسكات المعارضين وتأليه نفسه وزرع الرعب اليومي في مليار نفس بشرية. لكن الناس لا تجرؤ على قول الحقائق إلا بعد غياب الطغاة. بعد وفاة ستالين، لم يكن الغرب هو الذي عدد جرائمه، بل رفيقه وخلفه نيكيتا خروشوف. والآن تتولى وثائق الحزب الشيوعي الصيني الكشف عن بعض، وليس عن كل، حقيقة التشرمان ماو. ويؤخذ من هذه الوثائق أن ما تردد عن وفاة 30 مليون بشري في مجاعة «القفزة الكبرى» إنما هو رقم متواضع تجب إعادة النظر فيه. وتفيد رسالة وصفها مكتب الأمن في مقاطعة سيشوان بأن 10.6 مليون إنسان ماتوا بين 1958 و1961. ويقول البروفسور في جامعة هونغ كونغ، فرانك ديكوتر، إنه خلص من وثائق المجاعة إلى أنها أدت إلى وفاة 45 مليون شخص على الأقل.

تقول وثيقة: إن رجلا يدعى وانغ زيو حاول سرقة رأس بطاطا فقطعت أذناه وأوثقت ساقاه بجنزير وأجبر على حمل حجر زنته 10 كيلوغرامات. وعندما سرق صبي حفنة من القمح في إحدى قرى هوان، أرغم والده على أن يدفن ابنه حيا في المكان نفسه. وبعد 3 أسابيع مات الأب حزنا. وتفيد الوثائق بأن التجويع والحرمان عن الطعام كانا من وسائل العقاب. وأدى هذا المناخ الهمجي إلى تفسخ المجتمع وانحطاطه وإلى ظهور حالات كثيرة من أكل لحوم البشر. ويقول تقرير للشرطة في 25 فبراير (شباط) 1960: إن شابا أكل لحم شقيقه، في قرية غانزسو.

كان ماو يطلع على معظم التقارير حول الأحداث، لكنه كان يوصي بالمزيد من العقاب. وفي أحد اجتماعات الحزب في شنغهاي (1960) قال للمؤتمرين: «عندما لا يكون هناك طعام كاف، تموت الناس من الجوع. فليمت نصف الناس جوعا من أجل أن يأكل النصف الآخر ما يكفي».

نسب إلى ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا، قولها: «فليأكلوا الحلوى» عندما قيل لها إن الشعب جائع. ولا أعرف أيهما أقسى وأكثر فظاعة: «فليأكلوا الحلوى»، أم «فليمت نصف الناس جوعا»! الذي أعتقده، أن ماري أنطوانيت كانت أكثر وعيا وإدراكا وذكاء، من أن تتلفظ بهذه التفاهة. وعندما نسبت إليها هذه السماجة كانت منهمكة في مفاوضة أهل الثورة عن طريق خطيب الجماعات، ميرابو، فكيف يمكن أن تكون في مثل هذا الغباء؟