لماذا «فيس بوك» وليس «ويكيليكس»؟

TT

قد تكون المراجعات الكثيرة التي نجريها مع نهاية كل عام ابنة لحظتها وسريعة لكنها تسمح بشيء من التأمل واستخراج فكرة ما. على هذا الأساس نعكف كأفراد وكإعلام ومؤسسات ربما على قراءة خلاصات نجريها مع أفول عام آخر.

لماذا اختارت مجلة «تايم» الأميركية مارك زوكربرغ مؤسس موقع «فيس بوك» الإلكتروني ليكون شخصية عام 2010، متفوقا بذلك على جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس»، رغم أن الأخير حصد النسبة الأعلى من تصويت القراء؟!

صحيح أن أسانج كشف حقائق أحرجت الدبلوماسية الأميركية والدولية وثبت ما كان يتم تداوله تسريبا عبر الإعلام مما يدور في أروقة خاصة، لكن تلك الكشوفات، على أهميتها، لا تصيب حياتنا كأفراد بشكل مباشر ويومي على نحو ما فعلت مواقع التواصل الاجتماعي متصدرا إياها موقع «فيس بوك».

لعل محررو «تايم» كانوا على حق في اعتبارهم أن التصويت لصالح أسانج جاء بدافع من احتلال الرجل لصدارة الأنباء في الأسابيع الأخيرة، بينما اختيار زوكربرغ قائم على بعد مستقبلي، إذ يستمر موقع «فيس بوك» في إعادة صياغة علاقاتنا بأنفسنا وبالآخرين وبالأحداث. لقد بات هذا الموقع ثالث أكبر دولة في العالم بعد أن تجاوز عدد منتسبيه النصف مليار شخص يمكن لأي منهم ربط نفسه بالأحداث وتبادلها بنقرة صغيرة باتت متوافرة على معظم المواقع الإلكترونية.

لقد بدل هذا الموقع من طبيعة علاقتنا بالمعلومة وبالإنترنت؛ إذ غالبا ما نعمد، حين يعجبنا خبر أو أي صفحة، إلى وصل تلك المعلومة على موقع «فيس بوك» الذي بات، على حد ما وصفته محررة «تايم»، جواز سفر افتراضي نحمله ونحن نجوب العالم الافتراضي.

من الواضح أن تبدلا كبيرا أصاب الاختيارات بفعل الانتقال من الشخصية المؤثرة سياسيا وأمنيا وعلميا إلى الشخصية المؤثرة افتراضيا أو إلكترونيا، وأصبح واضحا أن عصرا جديدا من القدرة على التواصل ومن إعادة إنتاج أنماط من العلاقات والقدرات لم يكتمل بعد، إذ إننا في عالم سرعة الاتصال حيال مشهد من الصعب تقدير الشكل الذي سينتهي إليه. وبهذا المعنى تعتبر شخصية مارك زوكربرغ الذي لم يتجاوز السادسة والعشرين من العمر وكأنها افتتحت زمنا لا تنتمي إليه تلك الشخصيات التي كنا نختارها بصفتها شخصية العام. فأولئك نختارهم لشيء حققوه أو أنجزوه، أي لتاريخ وزمن منقض، بينما أتى اختيار زوكربرغ بصفته شخصية مرشحة لأن تنجز أكثر.

كنا نختار الماضي بينما نحن اليوم نختار المستقبل كشخصية للعام. أما في ما يعنينا نحن كعرب، فإذا أراد المرء أن يجول بذاكرته على شخصية موازية فلن يقع على واحد من هؤلاء إلا إذ استحضرنا شخصيات الإرهاب الافتراضي من أولئك الذين نشأوا وترعرعوا في ظل الشبكة العنكبوتية ولكن لم يذهبوا في توظيفها نحو المستقبل، إنما لتوظيفها كآلة قتل وتخلف، وهذا ما يعزز حضورنا في الماضي.

diana@ asharqalawsat.com