مبادرة جزائرية تفتح ملف تراثنا العظيم!

TT

استضافت الجزائر منذ أيام مؤتمر التراث الأوروبي المتوسطي الرابع، وذلك لتبادل الخبرات والإمكانيات ووضع رؤية جديدة لتطوير البيئة المؤسسية الثقافية على المستوى الوطني والإقليمي.

كلمات كبيرة رنانة لكن المعنى من ورائها هو في غاية البساطة، وهو تطوير نظرة الناس والحكومات للتراث سواء الثقافي أو الطبيعي وإيجاد آلية مثالية كما في البلدان الأوروبية والمتوسطية تمتاز بتوفير أقصى درجات الحماية للتراث.. وتبادل الخبرات في هذا المجال بين الدول بعضها مع بعض، وقد أظهر بشكل واضح هذا المؤتمر الاحتياج إلى حشد الخبرات في مجال حفظ التراث وتطوير المؤسسات التراثية.

وقد وضع المؤتمر هدفا رئيسيا له وهو تسهيل التواصل بين المتاحف والمؤسسات الثقافية في البلدان المختلفة.. وركز على تطوير قدرات البلدان المتوسطية في إدارة تراثها الثقافي، وكذلك الاهتمام بالتراث غير المادي أو الطبيعي.

أذكر هنا أنني بدأت حياتي العملية منذ سنوات كثيرة بمهمة خارج حدود مصر وداخل حدود العالم العربي.. وكانت المهمة إلى اليمن الشقيق، حيث كلفت ومجموعة عمل بوضع دراسة عن التراث اليمني وتسجيل بعض المناطق الأثرية غير المسجلة، ولقد استفدت كثيرا من هذه الرحلة، والتقيت بأصدقاء من اليمن لن أنساهم، ومنهم شيوخ قبائل كانوا يقدمون لنا كل العون في التعرف على مناطق الآثار غير المعروفة أو غير المسجلة على الخريطة الأثرية لليمن. وعرفنا طبائع هذه القبائل التي تحمي الغريب وتدافع عنه أكثر من حمايتها لأفرادها أنفسهم، وعن الكرم، فالحديث يحتاج إلى مقالات، كان البعض على الرغم من رقة الحال لا يتردد في ذبح الشاة الوحيدة عنده لإعداد طعام الضيوف.

وكنا رغم الظروف الصعبة دون مياه أو كهرباء لأيام كثيرة سعداء ونحن نزور أماكن أثرية في غاية الأهمية ونقوم بتسجيلها ووضعها على خريطة التراث اليمني، وكانت المهمة ضمن مشروع تعاون بين مصر واليمن في مجال حفظ التراث.

الآن لدينا جمعية الآثاريين العرب.. ومهمتها وضع استراتيجية واحدة للعمل الأثري في البلدان العربية وتبادل الخبرات في هذا المجال، وكذلك وضع آلية لتعاون البلدان العربية مع العالم الخارجي والاستفادة من خبراته. وهناك بلدان ضربت شوطا كبيرا في العمل الأثري في العالم العربي، وأخرى حديثة العهد بهذا المجال.. وأنا دائما وفي كل المحافل العلمية أدعو إلى تعاون حقيقي بين هذه البلدان بعضها مع بعض للاستفادة من الخبرات والإمكانيات المتوافرة بيننا.

ولكن الغريب أنه وإلى الآن ليس لدينا قاعدة بيانات واحدة عن التراث العربي، وليس لدينا مشروع واضح للحفاظ على التراث على الرغم من أن لدينا تراثا على الأرض وآخر في البحر، ولدينا كذلك تراث مسجل سواء كان تراثا ماديا أو غير مادي.

نكرر من هنا الدعوة إلى وجود هيئة عليا للإشراف على العمل الأثري في العالم العربي، تتكون من كبار العلماء، ولدينا شخصيات علمية عالمية لها وزنها وثقلها العلمي، فلماذا لا نستفيد من خبراتهم في الحفاظ على التراث وهو أعز ما نملك في هذه الدنيا.