تعزيز خطتنا تجاه أفغانستان

TT

كابل - لو أن المؤتمرات الصحافية الموجزة بمقدورها الفوز في الحروب، لكان الجنرال ديفيد بترايوس قد انتهى بالفعل من أمر أفغانستان. وفي ما يلي سأعرض لكم كيف بدا المؤتمر الصحافي المتقن الذي عقده في كابل هذا الشهر - وبعد ذلك سأطرح عليه بعض التساؤلات.

دخل إلى القاعة مساعدو الجنرال أولا، حاملين ستة ألواح خشبية كما لو أنهم في معرض فني. بعد ذلك، جاءت الرسوم البيانية التي بلغ طول الواحد منها أربعة أقدام، وعرضت مجموعة مكثفة من البيانات بدت أشبه بشبكة بناها عنكبوت. ثم اجتاح بترايوس القاعة، رافعا يديه لتحية الجمهور على نحو بدا ودودا وعدائيا في الوقت ذاته.

وقد سبقت لي مشاهدة بترايوس في الكثير من المؤتمرات الصحافية على امتداد سنوات عدة، وكانت التجربة أشبه بمشاهدة ساحر يقدم أحد عروضه. ورغم أنك ربما تكون رأيت هذه الحيلة السحرية التي يقدمها من قبل، فإنك لا تملك سوى الشعور بالانبهار. الواضح أن بترايوس يملك القدرة على دفع الناس لتصديق إمكانية تحقيق المستحيل. وقد نجح في تحسين الأوضاع في العراق، وربما كان في طريقه نحو تكرار الأمر في أفغانستان، لكن الأمر سيستغرق وقتا أطول هذه المرة.

طبقا لفكر بترايوس الكلاسيكي، فإن الحملة العسكرية الدائرة بأفغانستان تفرز مشكلات من جميع الاتجاهات: مشكلة من أعلى لأسفل تتمثل في بناء الجيش الأفغاني، وأخرى من أسفل لأعلى ترتبط بتدريب ميليشيات قبلية تعرف باسم «الشرطة المحلية الأفغانية». ويدور الأمر برمته حول القوة العسكرية، خاصة الغارات الليلية الفتاكة التي تشنها قوات العمليات الخاصة الأميركية، وكذلك حول جعل جهود الحكم تنجح داخل هذه الدولة الفاسدة الواهنة.

أما أكثر الرسوم البيانية التي عرضت خلال مؤتمر بترايوس الصحافي الأخير إثارة للاهتمام فقد حملت اسم «عمليات تحقيق الاستقرار بالقرى»، والتي كشفت كيف أن فرق القوات الخاصة تعمل على تأمين الأودية الجبلية النائية الواقعة شمال إقليم هلمند. هذا العام، عثرت الولايات المتحدة على جيوب محلية تشعر القيادات القروية بها بالسخط إزاء طالبان. وعليه، بعثت قوات أميركية خاصة لتنظيم المقاومة المحلية.

في الواقع، تتسم خطة الحملة العسكرية بأفغانستان بانتشار واتساع يجعل من السهل إغفال حقيقة ما يدور على أرض الواقع. مثلا، ليست هناك «معركة قندهار» كبرى، وإنما يعمد الجنود الأميركيون لتطهير الأحزمة التي توغلت فيها طالبان حول المدينة، ويقيمون العشرات من المراكز القتالية الصغيرة بالتعاون مع القوات الأفغانية. وتتمثل الفكرة الرئيسة وراء ذلك في توسيع نطاق هذه «الفقاعات الأمنية» حتى تجبر طالبان على الخروج من المراكز السكانية.

ومثلما هو الحال مع أي حرب، تتعلق هذه الحرب في النهاية بقوة الإرادة، وتتمتع الولايات المتحدة بميزة في بترايوس باعتباره واحدا من أكثر الأشخاص الذين يملكون إرادة حديدية يمكن للمرء أن يصادفها بحياته. إلا أن هذا الميل النفسي للنصر ليس كافيا، ذلك أن التاريخ يكشف أن هناك ثلاثة عوامل متغيرة جوهرية للتصدي لحركة تمرد: عملية مصالحة حقيقية وعدم توافر ملاذات آمنة للعدو وتوافر حكومة مضيفة تتميز بالكفاءة. وتفتقر أفغانستان، من جانبها، للعوامل الثلاثة.

لذا، سأطرح في ما يلي بعض الأسئلة على بترايوس يمكنه إمعان النظر فيها مع انتهاء هذا العام. وقد قمت بتجميعها من مفكرين استراتيجيين داخل وخارج الحكومة يأملون في إحراز النجاح، لكن يساورهم القلق من قصر المدة المتاحة:

- كيف يمكن لواشنطن خلق مزيد من الحوافز أمام الحكومة الأفغانية كي تسيطر على البلاد؟ هل هناك سبيل لتحقيق مسألة أنه مع كل 10.000 جندي يوفرهم الأفغان - ونسحب نحن عددا مكافئا له - تتولد فوائد يستشعرها الأفغان؟

- كيف يمكن لواشنطن جعل «المصالحة وإعادة الاندماج» تتحركان بسرعة أكبر؟ من بإمكانه توجيه العملية بأسلوب مسيطر قوي كذلك المميز لهنري كيسنجر؟ (يمكن لبترايوس القيام بهذا الدور). هل ينبغي تعديل الشروط المسبقة التي وضعت لمشاركة طالبان؟

- كيف يمكن التعامل مع الجانب الباكستاني من القضية؟ هل يمكن أن نشرك الباكستانيين على نحو أكثر مباشرة في جهود المصالحة؟ هل ينبغي أن ننصت لنصائحهم ونتفاوض مع أصدقائهم داخل شبكة حقاني؟ هل يمكن أن نحول جزءا من الميزانية السنوية لأفغانستان البالغة قرابة 100 مليار دولار لشراء السلام بالمناطق القبلية؟

- كيف يمكن استغلال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على نحو أفضل؟ (يذكر أن الحرب الأفغانية بدأت كعملية شبه عسكرية تضطلع بها الوكالة. وربما ينبغي أن تنتهي على هذا النحو أيضا. وقال مسؤولون باكستانيون إنهم سمحوا للوكالة بفتح قاعدة جديدة في كويتا). هل يمكن إطلاق المزيد من العمليات السرية الأميركية - الباكستانية في بلوشستان والمناطق القبلية؟

- كيف يمكن لواشنطن التعامل على نحو أفضل، خلف الكواليس، مع معضلة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي؟ هل ينبغي أن تضغط عليه؟ أم تتجاهله؟ أن تتخلى عنه؟

في الحقيقة، تعد خطة الحملة العسكرية التي يقودها بترايوس أشبه بمهمة إصلاح مقعد قديم مكسور عبر وضع الغراء على أجزائه المختلفة لربط بعضها ببعض مجددا، لكن ليس هناك من يدري إلى متى سيبقى الغراء صامدا، والمدة التي سيستغرقها كي يجف، أو مدى سوء حالة «الخشب» الأفغاني. تلك هي العوامل المتغيرة غير المؤكدة بعد التي يتعين على بترايوس الاحتراس منها، حتى في الوقت الذي يتحرك فيه بخطى قوية نحو النجاح.

* خدمة «واشنطن بوست»