خطر حول غزة

TT

في قراءتي للصحافة الإسرائيلية، وجدت كثافة تكاد تكون مفاجئة في الحديث عن غزة وحماس، والصاروخ الذي اخترق دبابة الـ«ميركافا»، والصاروخ الآخر الذي وقع على مقربة من روضة أطفال وكاد، لو انحرف قليلا، يحدث مجزرة.

وفي إسرائيل، يتحدثون بإسهاب عن الوقائع والدلالات، وكيفية التصرف؛ فلو حدث أن قتل بشر، فرد الفعل الفوري هو مقتلة أفدح يقوم بها الطيران الإسرائيلي، أما إذا تكررت الصواريخ والإصابات فلا مناص من تطوير رد الفعل من ضربة تأديبية خاطفة إلى اجتياح أوسع نطاقا.. وهكذا.

من جانبنا، كفلسطينيين وعرب، من المفترض أن تكون قد تبلورت في وعينا وحساباتنا معادلة العمل العسكري الإسرائيلي سواء في غزة أو الضفة؛ إنها معادلة أحد أهم أرقامها «الذريعة»، فإن توفرت، تتعطل الحسابات والاعتبارات الأخرى، وإن لم تتوفر ورأت إسرائيل حاجة لعمل عسكري يخدم الاتجاه السياسي للدولة العبرية، فلديها خبرة مشهود لها في إيجاد الذرائع، وتضخيمها وتسويقها للعالم، وحتى للرأي العام الإسرائيلي، كما لو أنها سبب لا يمكن تفاديه لحرب لا تبقي ولا تذر. إن اللغة الإسرائيلية الحالية في تناول موضوع غزة وتهديدات حماس، فيها قدر كبير من الإيحاءات المباشرة، بأن احتمالات حرب مقبلة لم تعد مستبعدة وفق أي حسابات أو اعتبارات راهنة، ولكي تتخذ الكتابات والتوجهات الإعلامية طابع الحملة التدريجية للتحضير لعملية كبرى، فإن المحللين السياسيين والأكاديميين والعسكريين يبالغون كالعادة في تقدير خطر حماس وتضخيم قوتها العسكرية والتدميرية، حتى إنهم في بعض التحليلات التي تتبناها الصحيفة الأهم في إسرائيل «يديعوت أحرونوت» وصفوا أنشطة حماس الأخيرة على خطوط التماس مع الجيش الإسرائيلي، بأنها عملية شد حبل في اتجاه التصعيد، وفي تحليل آخر وصف ما يحدث بأنه محاولة جادة من حماس لتغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل!!

إن كلمة شد الحبل نحو التصعيد، يمكن ابتلاعها إذا ما وضعنا في الاعتبار أن دبابة الـ«ميركافا» التي أصيبت كانت في وضع توغل استفزازي داخل أراضي غزة.. أما سعي حماس لتغيير قواعد اللعبة، خاصة على الصعيد العسكري، فيبدو جليا أنه مصطلح مبالغ فيه، وغير منطقي، فليست حماس من لديها القدرة على تغيير قواعد اللعب مع إسرائيل؛ ذلك أن الأمر هنا يقاس بالفارق في التأثير بين صاروخ مصنع محليا أو حتى مهرب من الأنفاق أو البحر.. مع الـ«إف 16» وقذائف المدفعية والدبابات التي تطلقها إسرائيل دون راد أو رادع.

إن أخطر ما يتصل بالمسألة «الغزية» هو أنها منطقة فاقدة للحمايات السياسية التي تشكل قيدا ولو نسبيا على قرار إسرائيلي نحو التصعيد العسكري؛ فمن يعترض؟ ومن يضع خطوطا حمراء؟ ومن يملك أساس مناقشة إسرائيل في أمر تقرر هي ومن طرف واحد أنه متصل بأمنها في مواجهة خطر يتهددها من الشمال تحت عنوان حزب الله ومن الجنوب تحت عنوان حماس؟

السؤال الذي راودني بقوة: هل ستنتبه حماس إلى دقة وحرج وهشاشة معادلتها مع إسرائيل عسكريا وأمنيا وتعمل بكل استطاعتها على تفادي محذور الذريعة؟ أم إنها ستعمل كما لو أن المقولة الإسرائيلية التي تحذر من إقدامها على تغيير قواعد اللعبة هي مقولة صحيحة وتستحق التجربة؟

إن الإجابة عن هذا السؤال، بصورة صحيحة ومنطقية، قد تحمي القطاع من حملة دموية تدميرية جديدة، ربما تحتاجها اللعبة الداخلية في إسرائيل إلى جانب اللعبة الشرق أوسطية شديدة التعقيد، أما إذا وقع خلل في الحساب والتقدير والسلوك، فساعتئذ قد نرى ما لا يسر، أي أن يتم دفع ثمن باهظ لقاء كارثة.. وأسأل الله أن يهدي قومي.