السودان وولاية «الفقير»!

TT

السودان بلد يوصف دوما بأنه «أغنى» الدول العربية من ناحية المقدرات الزراعية والثروات المعدنية المخزنة في باطن أراضيه، وتوفر المياه بكثافة، وجغرافيته الثرية وقدرات أبنائه المتنوعة. ولكن التخبط السياسي في السودان أبقى كل هذا الجميل «تنظيرا» ومجرد حبر أسود على ورق أبيض لا يسمن ولا يغني.

السودان مر على شعبه «منيو» قائمة طعام سياسي مشكلة؛ فمرة كان يجرب فيه الفكر اليميني وتارة المعسكر الاشتراكي، الذي تحول الشعب فيه إلى «إخوة نضال» والقادة الحكام إلى «رفاق»، ثم تقرر فجأة تطبيق الشريعة، انتفض الساسة على الأشقياء الصغار لكي يقطعوا أيديهم كعقوبة على جرائم السرقة متناسين تطبيق ذات العقوبة على من «أكل» المال العام أيضا هناك، ثم بعدها تم التغاضي عن موضوع تطبيق الشريعة (المنتقاة) وعاد الحديث بالحكم بنظام الطوارئ واليد الحديدية والسجون والمباحث، ثم عادت نغمة الديمقراطية والأحزاب بعد تسليم مثالي شبه أسطوري من سوار الذهب للسلطة المدنية وأقيمت الانتخابات وكانت فترة حرية إعلامية ومنابر جريئة وبرلمان نشط، ولكن الحكم كان متخبطا وضعيفا ومخترقا وحدث الانقلاب الأخير والمعروف باسمه الساخر «ثورة الإنقاذ»، (تماما مثل مسمى ثورة يوليو/ تموز في مصر الذي أطلق على انقلاب عسكري لحفنة من الضباط).

وأدت ثورة الإنقاذ هذه إلى إلغاء الصحف وتجميد البرلمان وسجن المعارضة وترسية الحكم العسكري وتسلط أعضاء «الكبار» في موارد البلاد وشركاتهم، وبات التذمر أوضح من الذين تناستهم حظوظ العناية والاهتمام والتنمية، وارتفعت الأصوات التي تصيح بالظلم والراغبين بالتالي في الاستقلال والخروج من هذه الهيمنة البغيضة، كل ذلك كان يحصل تحت عين ومراقبة ورعاية وحكم الرئيس السوداني الحالي عمر البشير.

هو اليوم وهو يرى جنوب بلاده ومنبع الثروة النفطية الكبرى يستعد للانفصال عن الوطن الأم ويخسر بالتالي ذريعة أن السودان وطن يتسع للجميع، لا بد أن يراجع نفسه ولو قليلا ويدرك أنه الآن دخل وبجدية مرحلة الإفلاس السياسي، وأن السودان لم يعد بلدا متدني الدخل اقتصاديا، ولكن الفقر أصاب سياسته أيضا، وآخر ملامح هذا الفقر السياسي هو «تهديده» بأنه سوف يقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية في حال الانفصال بين الشمال والجنوب!

وكأنه يلوح بسلاح النفط أو السلاح النووي مثلا! يا أخي طبق الشريعة أو لا تطبقها! (وهل يوجد أحد ممسك بك أن تطبقها أو لا أصلا؟). آخر كروت لعبة البشير السياسية هو أن يصبح «ولي فقيه» أو مرشدا عاما لثورة الإنقاذ، فهو كان عسكريا وبعدها سياسيا وبعدها الحزبي وبعدها الجنوبي الدارفوري الشمالي الوطني وبعدها الاقتصادي والآن وصل إلى دور الديني!

العزيز عمر البشير أرجوك اترك الشريعة والدين «في حالهما».. «داير أقول ليك» كفاية كده!

[email protected]