الرابطة التونسية لحقوق الإنسان.. وعنق الزجاجة

TT

شكل ما بات يعرف بـ«أزمة الرابطة التونسية لحقوق الإنسان» طيلة عقد كامل، مظهرا من مظاهر التوتر بين فريق من النخبة الحقوقية والنخبة السياسية الحاكمة.. توتر كان من تبعاته، تعطل دور الرابطة وعدم تمكن عناصرها من الاضطلاع بمسؤوليتهم التي هي حقوقية دفاعية، باعتبار أن الدور الموكل لرابطات حقوق الإنسان بشكل عام ليس المعارضة السياسية؛ بل السعي وفق مجهودات وساطة ومرونة في ربط العلاقات والتحرك بهدف مساعدة من هم في حاجة إلى مساعدة حقوقية إنسانية.

وفي الحقيقة، تاريخ الرابطة التونسية التي تأسست في مايو (أيار) 1977 يتسم بالوجاهة وبالاستقلالية، مما جعلها تحظى بمصداقية حرص المتعاقبون عليها على الحفاظ عليها.

غير أن خلافا نشب بين مجموعتين رئيسيتين في الرابطة؛ وهما مجموعة رئاسة الهيئة المديرة الحالية التي يمثلها المختار الطريفي، والمجموعة الثانية التي يمثلها الشاذلي بن يونس وهي المجموعة التي طعنت في قرار الهيئة المديرة بحل بعض فروع الرابطة والقيام بدمجها، حيث رأت المجموعة الثانية في مثل هذا القرار مخالفة للقانون الأساسي للرابطة وإقصاء لبعض المنخرطين الذين استهدفهم قرار الحل ثم الدمج.

طبعا كل مجموعة من طرفي النزاع لها قراءتها الخاصة للخلاف ولأسبابه الحقيقية. لذلك، فقد ظل التجاذب قائم الذات بين طرف يتشبث، حسب قوله، باستقلالية الرابطة والعمل الحقوقي، وطرف وإن كان ينتمي إلى الحزب الحاكم، فإنه لا يجد في ذلك سببا لإقصائه. هكذا، فهم تمسك كل طرف بموقفه، خاصة إصرار المجموعة التي تعتبر نفسها قد تم إقصاؤها على تتبع الهيئة المديرة الحالية قضائيا واستصدار أحكام ضد قرار حل بعض فروع الرابطة وإيثار خيار الدمج.

لكن التثاقل في معالجة ملف الرابطة التونسية لحقوق الإنسان قد بدأ يتراجع وتظهر محله بوادر انفراج تبدو هذه المرة أكثر جدية وإلحاحا، وهي بوادر نستخلصها أولا من خطاب الرئيس زين العابدين بن علي في الذكرى الثالثة والعشرين للتحول في 7 نوفمبر الماضي، حيث دعا الأطراف المعنية بموضوع الرابطة إلى العمل الجاد لتجاوز أزمة هذه المنظمة العريقة خلال الأشهر الستة المقبلة. كما أن وزير العدل وحقوق الإنسان السيد الأزهر بوعوني منذ أيام قليلة صرح بضرورة أن يتم فض الخلافات بين «الرابطيين».

وتشير المعلومات المتداولة في أوساط النخبة الرابطية والحقوقية إلى أن لجنة الوساطة التي تم تشكيلها من أجل تقريب وجهات النظر بين المجموعتين المتنازعتين قد بدأت تحرز تقدما عكس إيجابية الطرفين وقيام كل طرف ببعض تنازلات هدفها الأول والأخير إعادة الحياة إلى الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وليس من صالح تونس التي تبنت أفكارا إصلاحية وحداثية، أن تتواصل أزمة الرابطة وأن تراوح المكان نفسه طيلة سنوات في: عنق الزجاجة!

لذلك، فإن، حتى، مسألة عضوية المؤتمر الوطني الوفاقي للرابطة، الذي يعده مراقبو ملف الرابطة، نقطة مفصلية ساخنة، من المهم تجاوزها، لأنه من خلال تذليلها بشكل ذكي يعطي الأولوية للأمور المبدئية وللمصلحة الحقوقية وغيرها، ستعم الفائدة على جميع الأطراف.

فبالنسبة للرابطة، فإنها ستربح تخطي الأزمة مع أهمية أن يكون ذلك بأخف الأضرار، في حين أن السلطة السياسية التي تعنيها صورة تونس التي تمثل رصيدها في «الأسواق الدولية» من صالحها تجاوز هذه النقطة السوداء في المشهد السياسي والحقوقي التونسيين، وضمان أكثر ما يمكن من الملفات المعالجة، من أجل تسهيل مكاسب تونس في الخارج وعلى رأسها صفة «الشريك المتقدم»، وغيرها من المشاريع الاستثمارية؛ بل إن المنطق الوطني والنظرة الإيجابية للخلافات يستدعيان أن تكون معالجة أزمة الرابطة التونسية، التي تؤكد كل المؤشرات أنها في طريقها إلى ذلك، حافزا لمزيد من الدينامية في الحياة السياسية التونسية.