تركيا 2011

TT

وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو كان متواضعا عندما وقف أمام رجال الإعلام يقول إن تركيا حققت جميع الأهداف التي وضعتها لنفسها في سياستها الخارجية لعام 2010. تركيا، وحتى نكون منصفين مع «الخوجا»، حققت أكثر مما كانت تريده وتتطلع إليه.

هو نصحنا في مطلع العام أن نرصد تركيا داخليا وخارجيا عن قرب، فميزة هذه السنة ستكون كما قال ترجمة الكثير من النظريات والبرامج المرسومة على الورق إلى ورشات عمل حقيقية وعقود واتفاقات في اتجاه أكثر من دولة وعاصمة وتكتل إقليمي، وكان له ما أراد.

هو قال لنا كذلك إن تركيا ستعتمد لغة المصارحة والمصالحة في الداخل والخارج التي ستحملها إلى أبعد بقاع الأرض، وكان له ذلك أيضا من خلال عشرات الزيارات والاستقبالات لقيادات ودول لم يكن الأتراك يعرفون عنها شيئا أو يسمعون باسمها حتى.

إنجازات تركيا في سياستها الخارجية سهلت لها تعزيز مواقعها وتوسيع رقعة نفوذها وتزايد مصداقيتها عربيا وإسلاميا. حكومة العدالة والتنمية نجحت في إعادة الأتراك إلى قلب الشرق، هذه الجغرافيا التي تناسوها وأهملوها لسنوات طويلة فأهملتهم هي الأخرى. أنقرة وحتى لو لم تقطع الكثير من المسافات التي تقربها من العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فإنها لم تقطع معه رغم الكثير من الانتقادات الداخلية والغربية التي تتحدث عن المماطلة في تنفيذ الوعود والتعهدات المقدمة.

حكومة العدالة والتنمية نجحت خلال عام 2010 في حماية مقعدها الدائم أمام أكثر من طاولة حوار إقليمي ودولي وأخذت مكانها بين الدول الاقتصادية الكبرى في العالم وأثبتت قدرتها على الاتصال والتواصل مع قيادات ودول متخاصمة أو متباعدة وتقريب وجهات النظر بينها دون أن تتعرض لأي انتقادات أو اعتراضات بسبب أسلوبها هذا.. لا بل إن البعض من المفكرين والمحللين السياسيين العرب والإسلاميين انتقد ابتعادها عن إسرائيل وطالبها بإعادة تحسين العلاقات معها، لأن أنقرة قد تكون فرصة مهمة في فتح الطريق أمام السلام الإقليمي وإنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي، حيث فشلت حتى الآن الكثير من الدول الكبرى.

اليوم ونحن على أبواب عام 2011 نقول إن القيادات التركية وعدتنا أن يكون العام الجديد أيضا مثيرا مميزا غنيا بالحركة والمفاجآت، وأنها ستخيب آمال المراهنين على لعب ورقة «مشكلة الفكر العثماني» واحتمال وقوع أزمات سياسية واجتماعية سيكون سببها رجب طيب أردوغان الذي سيعمل على تغيير شكل النظام، وإبعاد وعزل العلمانيين، وتحجيم دور المؤسسة العسكرية أكثر فأكثر، وتجميد ملف العلاقة مع الاتحاد الأوروبي كما يريد أن يرى البعض. وهي قالت لنا أيضا إن التجديد والتغيير واستكمال عمليات الإصلاح والتحديث ستستمر رغم تعنت البعض ورفض البعض الآخر. ربما حكومة أردوغان تستفيد داخليا هنا وإلى أبعد الحدود من ضعف المعارضة الداخلية وتشرذمها وافتقادها للمشاريع والبدائل السياسية والإصلاحية التي تضعها أمام المواطن التركي، لكنها ودون شك تستفيد إقليميا أيضا من غياب اللاعبين القادرين على قراءة ما تشعر به وتقوله قواعدها الشعبية وترجمة ما تريده عمليا. ومع ذلك لا يمكننا أن نتجاهل أن عام 2011 سيحمل ملفات ساخنة داخلية وخارجية كثيرة تنتظر تركيا، فأكرادها رفعوا شعار الحكم الذاتي في الأيام الأخيرة، والقبارصة اليونان يتصلبون جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين وقيادات الدياسبورا الأرمنية في محاولة الصمود والتصدي، لا بل الرد في الكثير من الأماكن التي يجدون أن أنقرة قابلة للاختراق فيها.. لا بل إن البعض مثل إسرائيل والكثير من العواصم الأوروبية وربما الكثير من قيادات البيت الأبيض أيضا، يراهن على وقوع ما هو ليس في الحسبان في منتصف يونيو (حزيران) المقبل خلال الانتخابات النيابية العامة في تركيا، حيث يفترض أن حكومة العدالة والتنمية ستضعف وتخسر الانتخابات وتغادر السلطة، وأن ائتلافا حكوميا جديدا سيتسلم القيادة ويرجع الأمور إلى سابق عهدها، و«يعيد» تركيا داخليا وخارجيا إلى مسارها الصحيح الذي ابتعدت عنه مع حكومة أردوغان. لعبة الكر والفر ورسم السيناريوهات السوداء حول تركيا، أفضل ما يمكن للبعض أن يفعله، تماما كما فعل وهو يودع عام 2009 ويستقبل عام 2010، فحل به ما حل بـ«جحا» تركيا الذي خرج في عز الشتاء بثياب صيفية رقيقة دفعت أحدهم إلى تنبيهه بأنه سيصاب بالبرد إذا لم يبدل ملابسه، ولما حل به المرض قصد الرجل يقول: لقد عرفت أنني سأمرض، فقل لي ما الذي سيحل بي بعد الآن!