درس من وثيقة أميركا والجيش المصري!

TT

تقول واحدة من وثائق «ويكيليكس» إن واشنطن متذمرة من الجيش المصري، حيث تريد منه أن يتحول لمكافحة الإرهاب، وحراسة الحدود مع إسرائيل، وخلافه.. والسؤال هنا: وما علاقة الأميركيين بطبيعة عمل الجيش المصري؟ بل وما هو إذن دور الداخلية أو حرس الحدود؟ ولماذا الجيش المصري وليس الإسرائيلي، فواشنطن تدعم إسرائيل مثلما تدعم المصريين!

الحقيقة أن واشنطن حليف مربك، فإذا ما صعد نجم الرئيس داخليا ازدادت مطالبه الخارجية، وإذا ما انخفضت شعبيته في الداخل الأميركي باتت مطالبه الخارجية أقرب للمستحيل. روى لي مصدر سعودي قصة تلخص ما نقوله؛ حيث طلب مسؤول أميركي من نظيره السعودي أن تُقدم الرياض على خطوات «جدية» تجاه إسرائيل لجلبها إلى طاولة السلام، فجاء رد المسؤول السعودي بهدوء وابتسامة، حيث قال: «عجيب أمركم، المفروض أن تجلبوا الإسرائيليين ونحن نقنع الفلسطينيين، لكنكم تريدوننا نحن السعوديين أن نأتي بالإسرائيليين؟!».

ويكفي أن نتأمل تجربة ما زالت في ذاكرتنا؛ فها هو الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن يستمتع برعاية الأبقار في مزرعته، فماذا لو استجابت بعض دول المنطقة لمطالبه يوم كان ينظر للعالم من منظار معي أو ضدي، وهو الذي انتهى واحدا من أقل الرؤساء الأميركيين شعبية، ورأينا كيف بات حال الأميركيين في نهاية ولايته الثانية، فهذا الرجل لم يستمع لكل نصائح العالم حين غزا بغداد واحتلها بلا خطة، وباقي القصة معروف. فكيف لو سايره بعض العرب بالأمس وفعلوا ما أراده في قمة «هوجته» فكيف سيكون الحال اليوم من خراب ودمار على أوطاننا؟

وكما أسلفنا فإن أميركا بالفعل حليف مربك، وأبسط دليل هو إسقاطهم لنظام صدام غير الديمقراطي، وتأييدهم لولاية ثانية لنوري المالكي في العراق، وهذا ضد أبسط ما قيل من تبريرات لإسقاط صدام. وعليه قد يقول البعض: وما المراد قوله؟ الإجابة: إن أفضل طريقة للتعامل مع دولة عظمى لا يمكن تجاهلها مثل أميركا هو النموذج الصيني، فإذا لم تكن قويا داخليا، وخلفك جبهة متماسكة، ومنظومة عمل اقتصادية حقيقية تضمن لشعبك الحياة الكريمة ولقمة العيش، وقبل هذا وذاك عقلانية سياسية وليس فذلكة، فلن تستطيع أن تتعامل مع واشنطن بالشكل السليم.

استعادت الصين هونغ كونغ بلا رصاصة واحدة، ولا تستطيع تايوان اليوم تجاهل الشركات الصينية، ولا تحتاج الصين لإطلاق صاروخ، أو تصريح ناري، لتهديد الخصوم، بل كل ما تفعله هو أن تقوم بإغراقك اقتصاديا، أي تقتلك بالعسل، وفق مقولة الممثل الأميركي الشهير آلباتشينو في فيلم «محامي الشيطان».

هذا هو الدرس في التعامل مع أميركا، وليس على طريقة الإيرانيين، أو غيرهم من فتوات منطقتنا. العقلانية، والتماسك الداخلي، وتوفير العمل وضمان لقمة العيش لشعبك، هو ما يجعل دول منطقتنا في مأمن من نزوات أميركا العدوانية أيام بوش الابن، أو أميركا المسالمة في وقت أوباما. وقد يقول البعض إن الصين ليست النموذج المثالي، بسبب ملف حقوق الإنسان، وهنا نقول لا مشكلة، ماذا عن الهند؟

[email protected]