نعيما!

TT

كنت أتحدث مع صديق لي مؤخرا عن أيهما أهم وأوقع، أن تكون «أحسن حلاق في العالم»، أم أن تكون «أحسن حلاق في الشارع»؟ المقارنة مهمة ومثيرة، فأن تكون أحسن حلاق في العالم يعني أنك طبقت كل المعايير والمقاييس والمواصفات لهذه الصنعة، بل وتفوقت عليها، ونلت المكانة التي حصلت عليها بجدارة واستحقاق.. لكن هناك وجها آخر لهذا الطرح، وهو أن أحسن حلاق في الشارع سينخفض حجم التوقعات وسقف المقارنة به، وبالتالي تكون قوانين اللعبة بيديك وأقرب إليك، فأنت من الممكن أن تعيد تشكيل نظام الحلاقة نفسه وتخترع شيئا مختلفا ومغايرا، وتقنع الناس بأن هذا هو «الحلاقة»، أو تخرج برأي جديد تبلغ الناس فيه بأن الحلاقة التي تُمارَس اليوم هي غير الحلاقة التي يقوم بعملها الناس في العالم.

وفجأة انتقل الحديث إلى القوائم التي تعدها أرتال المجلات عن أهم وأثرى وأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم عموما والعالم العربي تحديدا، ولم أستطع تمالك نفسي من التعليق بسخرية على ورود اسم إحدى الشخصيات، فقال لي صديقي إنه أقسم أن يسهر على راحة المساهمين والشركاء (بغض النظر أين يسهر ولأي ساعة ومع من!). فتنهدت قائلا: «يا صديقي اضحك معي، هذا وغيره يحدثونك عن الشفافية والمساءلة والمحاسبة وكأنها كلمات مطلوبة في مسابقة للكلمات المتقاطعة يرددونها وهم يضحكون في مشاهد أقرب لإعلانات معاجين الأسنان». وهنا رد علي صديقي معلقا فذكرني بواقعة رويت لي عن مشهد غريب في واشنطن خلال لقاءات البنك الدولي السنوية: لقاء جمع رئيس أهم المصارف الاستثمارية الأميركية برئيس البنك المركزي لإحدى الدول الأفريقية وهو يقدم أخاه كرئيس لأحد البنوك التجارية في بلاده! فما كان من المصرفي الأميركي إلا الضحك والتعليق بالقول: «وهل يا ترى والدتكما هي المسؤولة عن القطاع المالي في بلدكما؟!»، والأدهى والأمر أن الأخوين الأفريقيين انفجرا ضحكا من دون خجل!

هل من الأفضل أن تكون أحسن حلاق في العالم، أم أن تكتفي بأن تكون أحسن حلاق في الشارع؟.. سنة جديدة مقبلة وسنة رحلت، سنة تأتي معها فرصة للتطوير والاستفادة من أخطاء الأمس، هي فرصة للبعد عن المكابرة ومواجهة الذات. أستغرب وأندهش لعدم وجود حديث ولا منتدى عن الوحدة الوطنية في سويسرا، ولا الكلام عن السلم الأهلي في السويد، ولا ضرورة قيام حكومة توافقية في سنغافورة، ولا الحديث عن التسامح في فنلندا.. التسامح، تلك الفكرة التي تحولت بمفهوم الموتورين إلى معنى للتنازل والاستسلام وهي ليست كذلك، لأنها فكرة قلب مفتوح وعقل متسع متقبل بحسن ظن للآخر، هكذا بكل بساطة، وإلا كيف يقبل منك أن تتزوج وتعاشر وتجاور وتأكل معه ويحرم عليك السلام عليه وتهنئته؟! أي منطق وأي عقل وأي روح تقول ذلك؟!

أيهما أحسن، أن تكون أحسن حلاق في العالم أم أحسن حلاق في الشارع؟.. بقدر طموحك وصراحتك ووضوحك مع النفس ستكون قادرا على مواجهة التحدي، وإلا كيف ستجيب ابنك وهو يسألك: «كيف تعلمني أنه لا يصح إلا الصحيح، وأنه لكل مجتهد نصيب، من دون أن تنظر حولك لما يحدث؟»، فتسكت وقتها (لتغير الموضوع)، وتجيبه: «خليك ساكت أفضل، انت لسه صغير، بكرة تكبر وتفهم لحالك».

إنها فضفضات متشابكة أبدأ معكم بها سنة جديدة، وأؤكد.. أن تكون أفضل حلاق في العالم حتما هو الأحسن. كل عام وأنتم جميعا بخير.. ونعيما!

[email protected]