كوت ديفوار نموذج لأزمة الحكم داخل أفريقيا

TT

يمثل رئيس كوت ديفوار لوران غباغبو الصورة النمطية للزعيم الأفريقي المتمسك بالسلطة، والبعيد عن مواطنيه، والمتجاهل لإرادتهم التي عبروا عنها.

وتأتي هذه الدراما في صورة صراع شخصي على السلطة بين غباغبو، الذي لم ينتخب بصورة سليمة، ولكنه يحكم كوت ديفوار منذ 10 أعوام بعد انتخابات معيبة في عام 2000، والحسن واتارا، المرشح الرئاسي الذي اختاره 54% من الناخبين الإيفواريين من خلال انتخابات إعادة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) ليكون الرئيس المقبل للدولة. وقد اتخذ العالم قرارا صائبا بالوقوف إلى جانب اختيار الشعب. ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وفرنسا غباغبو إلى نقل السلطة إلى واتارا.

ولكن هذا التركيز على العيوب الشخصية للزعماء يخفي المشكلة الأكبر المتمثلة في انفصال جذري بين المؤسسات السياسية الحديثة داخل أفريقيا وتجمعاتها الإثنية ومؤسساتها العرفية. ويعد هذا الانفصال، الذي يتبدى داخل كوت ديفوار، لب أزمة الحكم داخل القارة الأفريقية. وتمثل الدول الأفريقية المعاصرة هجينا ضعيف الأداء يضم عادات وثقافات محلية امتزجت بنماذج عربية وأوروبية للحكم وصلت من خلال الغزو والاستعمار والهجرة.

وبدلا من مجرد السعي من أجل حلول على المدى القصير إثر التداعيات العنيفة للانتخابات، ربما يكون معقولا بدرجة أكبر البحث عن وسائل لمنع أزمات مستقبلية متأصلة في نظم سياسية عاجزة عن العمل داخل أفريقيا.

وتظهر الأزمة الراهنة داخل كوت ديفوار هوة عميقة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي، وفاقم الوضع توترات إثنية - نتيجة لحدود استعمارية رسمت من دون الوضع في الاعتبار تكامل التجمعات الإثنية الأفريقية. ومنذ أن قسمت حدود كوت ديفوار مجموعات إثنية رئيسية لها وجود هام في الدول المجاورة، أصبحت كل أزمة داخلية بمثابة أزمة إقليمية.

وانتهز سياسيون التقسيمات عبر الدول لديهم رغبة في استغلال التعصب الإثني والشيفونية الإقليمية من أجل الوصول إلى السلطة. وعلى سبيل المثال، منع قائد الانقلاب الجنرال روبرت جوي واتارا من خوض انتخابات 2000 اعتمادا على قوانين مواطنة إيفوارية إقصائية كانت تهدف إلى منع الشماليين من حق الانتخاب على اعتبار الأصل الأجنبي.

وإذا تمكن واتارا من الوصول إلى سدة الحكم، وهذا أمر محتمل، فإن التحدي الأكبر الماثل أمامه يتمثل في إعادة توحيد دولة لا تزال منقسمة على نفسها بسبب إرث حرب أهلية تعود إلى 2002. ويعني ذلك تناول الهوية الوطنية وقضايا مواطنة وإصلاح لوائح ملكية الأراضي، وتقليل بعض سلطات الرئاسة من أجل إيجاد حكومة أكثر تمثيلا وشمولا.

وبالنسبة إلى كوت ديفوار، كما هو الحال داخل أي مكان آخر، من المهم بصورة خاصة أن يخلق هذا التحول المزيد من الروابط مع شرائح كبرى من سكان تحكم حياتهم اليومية مؤسسات عرفية أفريقية.

وما ينطبق على كوت ديفوار، ينطبق على الكثير من الدول الأخرى. ومع عملية إعادة المؤسسات الحاكمة داخل أفريقية يجب أن تضع في الاعتبار أولويات أربع جميعها ينطبق على كوت ديفوار:

أولا: يجب استبدال العرف السياسي الأفريقي المعتمد على «كبير القوم» من خلال قوانين جديدة وترتيبات تحقق توازنا للقوة بصورة أفضل بين مؤسسات حكومية مستقلة، وذلك بهدف تحقيق مساءلة حقيقية. وينص دستور الجمهورية الثانية (2000) داخل كوت ديفوار على رئاسة قوية في إطار فصل بين السلطات، ولكن يسيطر الرئيس على النظام السياسي، كما هو الحال داخل معظم الدول الأفريقية.

وداخل كوت ديفوار تقوم الجمعية الوطنية المكونة من غرفة واحدة والتي يبلغ عدد أعضائها 225 عضوا بتمرير تشريعات يقدمها الرئيس، وتتصرف في الأغلب بصورة حزبية، وتوافق بلا تدبر على ما تطلبه الرئاسة. وتواجه الدولة مشكلة تمزق، وهي كبيرة بالدرجة التي تدفع إلى التفكير في إصلاحات دستورية بهدف إيجاد برلمان من غرفتين به غرفة دنيا منتخبة ويضاف إليها غرفة عليا للهيئات العرفية والمواطنين البارزين الذين يمثلون المصالح الأوسع للمجتمع، وتكون بمثابة عنصر استقرار يساعد على المضي قدما فيما يتعلق بالوحدة الوطنية.

ويعد تقوية الجناحين التشريعي والقضائي داخل الحكومة مدخلا إلى تحقيق توازن في السلطة، وسيخلق مقدارا أكبر من المحاسبة وبهذا يكفل انسجاما وطنيا أكبر.

ثانيا: يجب توزيع السلطة والثروة على مختلف أنحاء المجتمع لجعل الحكومة أقرب من المواطنين، فالسلطة داخل أفريقيا لا تتركز فقط في مكتب الرئيس، ولكن داخل المدينة العاصمة أيضا. ويعد توزيع الموارد والسلطات على المستوى الوطني من المركز إلى الهيئات الإدارية والمنتخبة المحلية عنصرا هاما من أجل الحد من الفساد والتأكيد على توفير الخدمات بصورة فعالة.

وقد يساعد إشراك الهيئات العرفية بهذه الطريقة على تعزيز الشرعية وزيادة الوجود الحكومي على مستوى القرى. وسوف يعزز التركيز على التنمية الريفية، ولا سيما الاستثمار داخل القطاع الزراعي، هذا التحول في السلطة، حيث يوجد بالقطاع الزراعي ما يصل إلى 70% من السكان النشطين اقتصاديا داخل أفريقيا.

وتعد كوت ديفوار المنتج الرئيسي للكاكاو في العالم، ويمثل القطاع الزراعي 24% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشارك نسبة تتراوح بين 60 - 70% من الإيفواريين في شكل من أشكال النشاط الزراعي.

ثالثا: يمثل التعليم والتدريب على المهارات من أجل بناء المستقبل اعتمادا على ناخبين ممكنين وعلى دارية شيئا هاما. ويحظى ذلك بأهمية خاصة داخل كوت ديفوار، حيث ستواجه الحكومة الجديدة تحدي العثور على منافذ منتجة لمسلحين سابقين وميليشيات جرى تفكيكها حتى لا يصبحوا عناصر تستخدم في أي دورة أخرى من اللغط السياسي الذي أثير لأول مرة مع وفاة الرئيس فيليكس هوفويه بوانييه عام 1993.

وأخيرا، الانضباط والانسجام المجتمعي بدرجة أكبر هو الحل الوحيد لخلافات قائمة منذ وقت طويل فاقمها سياسيون أفارقة يعبئون تجمعات إثنية من خلال سيناريوهات لا تقبل سوى تنفيذ كافة المطالب بهدف الاستحواذ على السلطة. ومن الواضح أن ذلك سيستغرق وقتا، حيث إن هذه الممارسة السياسية متأصلة داخل دولة مثل كوت ديفوار، فقد كان الرئيس الثاني هنري بيدي يشعر برهاب الأجانب إزاء الشماليين المسلمين، ولذا منع منافسه الحسن واتارا عام 1995 قبل الإطاحة ببيدي نفسه من خلال انقلاب نفذه الجنرال جوي عام 1999. لقد أشعل بيدي عود ثقاب ما زال يحرق الإيفواريين حتى وقتنا الحالي. ويجب على واتارا البدء من خلال الترويج والدعوة إلى مصالحة وطنية ومشاركة الجميع.

وعلى ضوء التحديات التي تواجهها أفريقيا، ليس مدهشا أن ينظر الكثير من الزعماء اليوم إلى الشرق والغرب على حد سواء من أجل نموذج للحكم، حتى في الوقت الذي يسعون خلاله إلى استعادة طرائق محلية بعينها. وعلى الرغم من أن الأفارقة سوف يستفيدون بالتأكيد من حكم القانون وحماية الحريات الفردية والفصل بين السلطات فإن الحقيقة هي أن الانتخابات التعددية لم تقدم نتائج قوية أو تحول دون وقوع العنف. وعلى ضوء ذلك، يبدو أن النموذج الصيني، بتأكيده على الانسجام الاجتماعي والاستقرار السياسي والنمو السريع، مناسب للكثيرين، ولا سيما في الوقت الذي يزداد فيه الوجود الصيني داخل القارة.

وأفضل أمل بالنسبة إلى أفريقيا هو العثور على طريق وسط للحكم شامل يعتمد على مشروعية وسائله الخاصة، ويستعير سمات من الشرق والغرب لمواجهة تحدياته. وربما يكون الحل الأفريقي صورة هجينا أخرى للحكم، ولكنها صورة وضعها الحكام أنفسهم بدلا من أن تفرض من الخارج.

جينداي فريزر: مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون أفريقيا في الفترة من 2005 حتى 2009، وأستاذ بجامعة كارنيغي ميلون.

نيكولاس برغروين: رئيس معهد نيكولاس برغروين المتخصص في دراسة أفكار جديدة للحكم.

*خدمة «شبكة غلوبال فيوبوينت»