الحكومة العراقية الجديدة: أول الطريق

TT

أخيرا تم تأليف الحكومة العراقية الائتلافية الجديدة، بعد مخاض طويل جدا. فالعالم كاد ييأس من «الحالة العراقية»، أي من هذا التنازع بين القوى السياسية على الحكم وهذا العنف المتمادي، ويتساءل: هل الديمقراطية ثوب يلائم مكونات الجسم الوطني العراقي؟ أما وقد تجاوز العراق امتحاني الانتخابات وتأليف الحكومة، فإن السؤال الطبيعي الذي يفرض نفسه هو: هل ستصمد هذه الصيغة الائتلافية أمام التحديات الراهنة والاستحقاقات القادمة، وإلى أين ستقود العراق الجديد؟

إن الديمقراطية الفيدرالية المناطقية - العرقية - المذهبية التي يرتكز عليها العراق الجديد ليست بصيغة سهلة للحكم. لا سيما أن جراح العهد السابق وسنوات الاحتلال لم تلتئم. وأن قوى إقليمية ودولية تتنافس على اجتذاب العراق إليها. وفي طليعتها إيران والولايات المتحدة. كما أن هناك قضايا أساسية أخرى ما زالت معلقة كمدى استقلالية الحكم الذاتي الكردي وعلاقته بالحكم المركزي، وقضية توزع الثروة النفطية وعائداتها. ودور العراق العربي الجديد في الصراع العربي - الإسرائيلي، وعملية السلام.

وأهم من كل ذلك، لا سيما في نظر العراقيين، توقف الإرهاب الطائفي والمذهبي وعودة النازحين والحياة الاقتصادية والاجتماعية الطبيعية. والحفاظ على الأمن بعد خروج القوات الأميركية، في الصيف القادم.

أمام «جبل» هذه المشاكل والاستحقاقات الصعبة، لا بد للحكومة العراقية الجديدة من الخيار. ولن تكون الخيارات سهلة. ذلك أن ما يفرق بين القوى السياسية المتنازعة سابقا والمؤتلفة، اليوم، ليست المناصب الحكومية والحصص الطائفية والمذهبية، فحسب، بل السياسة العامة للعراق. وعلى الأخص اتجاه العراق الجديد عربيا ودوليا. بل هوية العراق الوطنية.

وغني عن القول بأن أمام كل قرار كبير أو مهم تستعد الحكومة الجديدة لاتخاذه، سوف تنتصب تلك الفروقات والرهانات الأساسية. وبالتالي خطر تفكك الائتلاف الحكومي، أو تعطيل الحكم، كما هو الحال في لبنان مع حكومته الائتلافية الوفاقية؟!

لقد لعب العراق الحديث منذ نشأة كيانه الوطني عام 1920 دورا خاصا في المنطقة وفي كل مراحل تطور القضايا العربية والصراع العربي - الإسرائيلي. في مرحلة ما كان الحكم فيه حليفا لبريطانيا وأحد أركان حلف الدفاع الغربي عن الشرق الأوسط. وفي عهد قاسم وعارف والبعث، كان مركزا منافسا لمصر وسورية في رفع لواء القومية العربية والاشتراكية. وكان طموح صدام حسين أن يجعل من العراق درع العروبة الشرقي بوجه الثورة الخمينية الإيرانية. ترى أي دور سيلعبه العراق الجديد، بعد كل هذه الأدوار التي كانت نهايتها مأساوية أو كارثية؟

ما يتمناه كل عربي ومسلم وكل مراهن على السلام في العالم وعلى التعاون بين الشعوب، هو أن تتمكن الحكومة العراقية الجديدة من توفير الأمن والسلامة للعراقيين، وأن تنجح في تسيير صيغة الحكم الدستوري الجديد، وأن تبعد الضغوطات الإقليمية والدولية عنها، وأن تقيم علاقات متوازنة وودية مع الدول المحيطة بالعراق (تركيا، سورية، السعودية، الأردن، الكويت)، مبتعدة عن النزاعات القديمة والحديثة بينها. وأن تعود بالعراقيين إلى هويتهم الوطنية العراقية الجامعة، وبالعراق إلى الأسرة العربية.

وإنها لمهمة قومية ووطنية وسياسية ضخمة جدا. وليس أمام الحكم والحكومة الجديدة سوى إنجازها، باعتبار أن عواقب الفشل لن تدخل العراق في متاهات تطيح بما تبقى من كيانه ووحدته الوطنية واستقلاله وانتمائه العربي، بل تدخل الشرق الأوسط والعرب في مزيد من الضياع والتنازع.

ولعل من مسهلات النجاح: طي صفحة الحقبة الصدامية وتصفية حساباتها الانتقامية، وطمأنة سنة العراق ومسيحييه على حقوقهم وأرواحهم وممتلكاتهم، وتعزيز دور الحكم المركزي وسيادة حكم القانون.

ليس من مصلحة العراقيين والعرب والمسلمين أن تستمر النزاعات العرقية والطائفية في العراق وتنتشر منه إلى الدول العربية الأخرى (لا سيما لبنان ودول الخليج)، ولا أن يكون العراق «درعا» أو «خطا دفاعيا أول» عن العروبة. بل مصلحة الجميع هي في أن يكون مختبرا لديمقراطية عربية جديدة وناجحة، وجسرا سياسيا وثقافيا بين إيران وتركيا والخليج والدول العربية.