ما هي العلاقة بين المقاومة اللبنانية والدب الذي قتل صاحبه؟

TT

يذكرني سلوك المقاومة اللبنانية بقصة غريبة كنا نقرأها في كتاب المطالعة في المدرسة الابتدائية بالقاهرة، عن رجل لديه دب يدافع عنه ويحميه. وفي أحد الأيام نام الرجل في ظل شجرة بالحقل، وطلب من الدب ألا يسمح للذباب بالوقوف على وجهه. وجاءت ذبابة معاندة وقفت على وجه الرجل وهو نائم، وكلما طردها الدب عادت الذبابة ووقفت فوق وجه الرجل. غضب الدب من الذبابة وأراد أن يقتلها حتى ينقذ صاحبه من مضايقاتها، فأخذ بحجر كبير وضربها به، وكانت تقف فوق رأس صاحبه. طارت الذبابة ومات الرجل.

فمفهوم المقاومة هو أن يقوم بعض الأفراد متطوعين بالدفاع عن شعبهم بسبب وقوعه تحت سيطرة قوى أجنبية لا تستطيع الدولة وحدها مقاومتها. وعندما احتلت قوات أدولف هتلر النازية الأراضي الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، ظهرت حركة للمقاومة على شكل وحدات صغيرة من الرجال والنساء، جاءوا من جميع طوائف المجتمع الفرنسي ومن كل الأحزاب السياسية. كانت مهمة المقاومة الفرنسية هي رفع معنويات الشعب المحتل، وجمع المعلومات عن مواقع وتحركات القوات الألمانية وإرسالها للحلفاء في الخارج. كما قامت لجان المقاومة بإتلاف المعدات العسكرية الألمانية، وساعدت الأسرى من جنود الحلفاء على الهرب. وعند نهاية الحرب تجمع أفراد المقاومة الذين بلغ عددهم نحو 400 ألف، ليكونوا نواة للجيش الفرنسي الجديد بعد عودة شارلز ديغول من المنفى. وفي مصر، عندما احتل البريطانيون مدينة بورسعيد سنة 1956، قام الأهالي بمقاومة القوات الغازية حتى رحلت، ثم عادوا إلى أعمالهم الطبيعية وتولت الحكومة المصرية مهام الدفاع عن الوطن.

وبخلاف الدول الأخرى، تتكون مقاومة لبنان من تنظيم عسكري يضم الشبان الشيعة الذين ينتمون لحزب الله، ويعلنون ولاءهم للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وهي التي تمدهم بالمال والسلاح. وقد جاء في البيان الذي أصدره حزب الله في 16 فبراير (شباط) 1985 أن الحزب «ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة». أما حسن نصر الله قائد المقاومة، فهو يعتبر الوكيل الشرعي للمرشد الأعلى الإيراني في لبنان.

وبعد أن نجحت دموع فؤاد السنيورة في إيقاف الحرب بين إسرائيل وحزب الله في 2006، اعتبرت المقاومة اللبنانية أن حكومته صارت فاقدة للشرعية وليس لديها ميثاقية دستورية، ونظم حزب الله اعتصاما في ساحة رياض الصلح، مقابل مجلس الوزراء، منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) 2006، لشل عمل الحكومة. وفي السابع من مايو (أيار) 2008، احتلت مقاومة حزب الله بيروت الغربية، وهددت شعب لبنان ببيت الطاعة إذا حاولت الحكومة التدخل في نشاطاته السرية أو الحد من تصرفاته التي لا تخضع لسلطة الدولة.

والآن قامت قيامة حزب الله ومقاومته من جديد تهدد بضرورة رفض الحكومة اللبنانية لقرار المحكمة الدولية لمقتل الحريري قبل صدوره، واختلقت حكاية شهود الزور التي باتت تهدد مجرى المسار السياسي في لبنان. وفي 13 ديسمبر، هدد محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية، بأنه إذا لم تمتثل حكومة الحريري لتنفيذ مطالب حزبه فإن «البلد (لبنان) سيتعرض للإساءة وسيهتز وضعه»، على يد المقاومة بالطبع.

من المفروض أن يقسم الشهود بقول الصدق قبل الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة المختصة، فإن أدلى شاهد بشهادة وهو يعلم أنها غير صحيحة، يصبح معرضا لمحاكمته بتهمة تضليل العدالة. أما الشهود الذين يدلون بأقوالهم أمام قاضي التحقيق فهم لا يتعرضون لمثل هذا الجزاء، حيث إن المسؤولية تقع على المحقق نفسه للتأكد من صدق أقوالهم، عن طريق مقارنتها بالأدلة المتوفرة لديه. وفي حالة المحكمة الدولية التي تنظر في قضية مقتل رفيق الحريري، فإن المحكمة لن توافق قاضي التحقيق على توجيه الاتهام، إلا بعد فحص الشهادات والأدلة التي قدمها والتأكد من صحتها. وعلى هذا، فما يقال عن ملف شهادة الزور لا يمثل قضية حقيقية، بقدر ما يشكل محاولة من حزب الله للتشكيك في عدالة المحكمة الدولية. فحتى الآن لم تصدر المحكمة حكمها ولا أحد يعرف إلى أي أدلة سوف تستند في حكمها.

وبخصوص الضباط الأربعة الذين سبق اعتقالهم، فلم يصدر في حقهم حكم من أي محكمة بناء على شهادة الشهود، بل تم احتجازهم بناء على قرار قاضي التحقيق لشكه في احتمال تورطهم في القضية. وهم لا يستطيعون التقدم الآن إلى القضاء ضد أشخاص أدلوا بمعلومات أثناء التحقيق ولو كاذبة، والإجراء الوحيد الذي يمكنهم اللجوء إليه يوجه ضد قاضي التحقيق الذي أمر بالتحفظ عليهم دون التأكد من صحة المعلومات التي حصل عليها، ويكون من حقهم في هذه الحالة الحصول على تعويض. ومع هذا فهم لا يستطيعون اللجوء إلى هذا الإجراء إلا بعد صدور الحكم النهائي في القضية الأصلية، والتأكد من براءتهم من التهمة التي تم من أجلها التحفظ عليهم.

ما هي المقاومة في لبنان الآن وما هو عملها؟ فبخلاف حزب الله اللبناني، لا يوجد تنظيم للمقاومة في أي دولة في العالم. ليس هناك تنظيم للمقاومة في سورية مثلا، رغم احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان، كما لم تعد هناك مقاومة في فلسطين، حيث صارت حماس تحكم قطاع غزة وأصبحت فتح تحكم الضفة الغربية. وعندما وافق حزب الله على قرار مجلس الأمن 1701 لوقف القتال بين لبنان وإسرائيل، قبل الحزب عدم القيام بأعمال عسكرية والتزم طوال الأعوام الأربعة الماضية بهذا الموقف. إذا لم يكن هناك عمل عسكري يقوم به حزب الله ضد إسرائيل، فما هو دور تنظيم المقاومة التي تسيطر على حياة شعب لبنان وتهدد حياته. وإذا كان هذا هو ما تفعله المقاومة بلبنان، فما حاجة هذا البلد إلى الأعداء الخارجيين؟