عود للمالكي والأحمدي

TT

أثارت مقالتي «المالكي والأحمدي» تعليقات كثيرة تفرض علي معالجتها. تصور البعض أن تأييدي للمالكي يعود لطائفيتي. هل انقلب المالكي سنيا؟ فأنا من أسرة القشطيني العريقة والنقية مائة في المائة في انتمائها السني. الانتماءات الطائفية والدينية لم تدخل في حساباتي قط. عرضت نفسي للقتل في الدفاع عن اليهود. لقد تسلم السنة حكم العراق وأساءوا حكمه وقضوا أيامهم يتآمرون بعضهم على بعض. والآن وقد فلت الحكم من أيديهم فلا يلومون إلا أنفسهم. تبين اليوم أنهم الأقلية في البلد. وكديمقراطي أرى أن عليهم أن يحترموا رأي الأكثرية الشيعية.

لسوء الحظ أن أكثرية هذه الأكثرية تتكون من فلاحين ومواطنين أميين جهلاء. استعملوا أصواتهم في إعطاء المجلس هذه التركيبة الطائفية والانتهازية. إنها الشرعية الديمقراطية في أقبح صورها. لقد كتبت وتكلمت في عدة مناسبات أبشر بضرورة حصر حق الاقتراع بالمتعلمين، مثل خريجي الدراسة المتوسطة. التقليد الأعمى للصيغة الغربية لا ينفعنا، فلا يوجد في الغرب مواطنون أميون مثلنا.

«شختك بختك! هذا الحاضر هذا الموجود». والمجلس منتخب شرعيا. له حق نزع الثقة من المالكي وإسقاطه شرعيا. ولكنه لم يفعل لأن أكثرية النواب معه ولن تصوت ضده. الأكثرية المطلقة ليست مع علاوي. كل هذه الاعتراضات التي قرأتها ضدي وضد ما قلته تنبع من جذور النزعة الديكتاتورية المتأصلة حتى في قلوب مثقفينا. يعز عليهم أن يعترفوا بأن المالكي يمثل رأي أكثرية المجلس، والمجلس يمثل أكثرية الشعب، وبالتالي فله الأحقية في حكم العراق. بالطبع أنا كرجل علماني أمقت حزب الدعوة وأي حزب ديني أو طائفي. ولكن مَن أنا أمام إرادة الشعب العراقي الذي لا يسمعني ويسمع ما يقول له «السيد»؟

للعراقيين نزعة تاريخية في معارضة أي رجل يحكمهم. يبدو لي أنني الشاذ الذي يثبت القاعدة. إنني أميل لعكس ذلك تماما. فأنا بصورة عامة أقف مع من يحكم البلد انطلاقا مما تقوله لي مصارين بطني. وهو أن من الأفضل إصلاح المسؤول وتقويم حكمه من محاولة إسقاطه واستبدال آخر به. إدارة بلد مثل إدارة متجر أو معمل، تتطلب خبرة وتجارب واتعاظا بالأخطاء، أو ما يسميه العلماء «التجربة والخطأ».

ولكنني وقفت في الأخير ضد صدام حسين لسبب رئيسي هو وصولي لهذا الاقتناع بأنه رجل مختل العقل. والشرع يقضي بمنع المختل من التصرف. ورغم أن مصاريني تقول إن كل من يقبل حكم العراق الآن، بل وفي كل أوان، لا بد أن يكون مختل العقل، فإنني لم أجد حتى الآن ما يوحي بذلك في المالكي باستثناء تهالكه هذا على حكم العراق. المرجو منه الآن أن يستعمل عقله في تبين هاتين الحقيقتين: أولا أن إيران اليوم لن تكون إيران الغد. كل الأنظمة الثورية مآلها السقوط. ليس من العقل ربط مستقبله ومستقبل العراق بالنظام الحالي في طهران. ثانيا أن العلمانية جينات تجري في دم الشعب العراقي منذ ألوف السنين. فرض الطائفية عليه لن يثمر إلا المزيد من المصاعب في أحوج وقت للاستقرار والبناء والتطوير.