إلى المصريين: قفوا وقفة صدق

TT

كثيرا ما حذرنا من الاحتقان الحاصل، والمتنامي، بمصر، وقلنا: إنه خطر ليس على أبناء الكنانة وحدها، بل على العالم العربي، وقلنا: إن خراب مصر كارثة على المنطقة، وصلاحها صلاح لمنطقتنا أيضا، فتأثير مصر علينا كبير.

وكان يقال إننا نلمع النظام، وندافع عنه، بينما اليوم، بعد أن أفاق المصريون على كارثة العمل الإرهابي في الإسكندرية اندفع الجميع في مصر محذرا من خطورة ما يحدث، ومتحدثا بالمنطق نفسه الذي كنا نتحدث به منذ سنوات، وكانوا ينتقدوننا عليه، ولكن للأسف بعد أن وقعت الفأس بالرأس؛ حيث تذكر البعض اليوم الوحدة الوطنية، وأنه لا فارق بين المصريين، مسلمين ومسيحيين، وأن مصر في خطر، وأنها للجميع!

وعليه.. فإن المطلوب من المصريين اليوم هو عدم رمي مشكلاتهم على الخارج، بل لا بد من أن يجلسوا مع أنفسهم، ويقفوا وقفة صدق مع النفس، يعددون فيها أخطاءهم، ومكامن الخلل في بلادهم، وما اعترى ثقافتهم، دينيا، واقتصاديا، وسياسيا، وحتى فنيا، فلا يكفي القول إن العمل الإرهابي ما هو إلا عمل خارجي، فالإرهابيون من المصريين موجودون في كل من: العراق، وأفغانستان، واليمن، وحتى في إيران.. والدرس الذي تعلمناه من الإرهاب والإرهابيين أنه مهما عاش الإرهابيون خارج أوطانهم فإنهم سيعودون إليها لا محالة، وهذا ما خبرته السعودية، والأردن، واليمن، والدول العربية كلها.

عندما يقف المصريون وقفة صدق مع أنفسهم سيكتشفون الخطأ الفادح الذي أصاب ثقافتهم، وسمح للتطرف أن ينتشر هناك. حينها سيعرفون كيف تقع عملية من هذا النوع في الإسكندرية، مدينة التسامح، وحينها سيكتشفون حجم تغلغل الخطاب الأصولي في ثقافتهم، فمصر الخمسينات، بل والستينات، كان مألوفا فيها ظهورُ الأسماء المسيحية بجانب الأسماء الإسلامية، سواء في الفن، أو الفكر، أو غيرهما، بينما مصر اليوم تتحدث عن مشكلات مسيحية - إسلامية!

عندما يجلس المصريون مع أنفسهم سيكتشفون ما الذي فعله بهم الخطاب المتطرف؛ حيث تعليم مصر اليوم ليس بتعليمها الذي كان يضاهي التعليم الغربي في خمسينات القرن الماضي، بل حتى إن الحس الوطني المصري قد خبا منذ أن تغلغلت بهم مقولة إن الإسلام هو الحل؛ حيث باتت غزة أهم من القاهرة، وأصبح بمقدور صحافيي طهران، من المصريين، التحرك في مصر على المكشوف، وبات بمقدور حسن نصر الله أن يتجرأ على مصر وجيشها ويجد من يبرر له من محامي الأصوليين، ومحامي الشيطان في مصر، وما أكثرهم. كما رأينا كيف أن مرشد الإخوان يقول بملء فيه: «طز في مصر»!

لذا.. فلا يكفي أن يقول المصريون إن ما حدث في «المحروسة» هو نتاج أيادٍ خارجية.. فهذا هروب من مواجهة الحقيقة، بل إن ما حدث في الإسكندرية هو نتيجة عمل تخريبي طويل أوجد الأرضية لكل أشكال التطرف، ويكفي أن نتذكر هنا كيف تفاخر القرضاوي، في صحيفتنا، الأسبوع الماضي، بأنه استطاع إقحام الدين في السياسة بالعالم العربي كله؛ حيث بات السلفيون مثل الإخوان، لنعرف فقط حجم مصيبتنا!

[email protected]