الولايات المتحدة: شراكة مع شمال أفريقيا من أجل نهضة اقتصادية

TT

يتطلب مستقبل التقدم الاقتصادي حول العالم دعم الحكومات وشركات القطاع الخاص لإبداع الشباب وروح المبادرة. ودشنت الولايات المتحدة في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي شبكة فريدة من الشراكات بين القطاع الخاص والعام من أجل تحقيق ذلك وهي «شراكة شمال أفريقيا من أجل الفرص الاقتصادية». يعد هذا الجهد المبذول في دول المغرب العربي والممتد من موريتانيا إلى ليبيا عنصرا أساسيا في «شركاء في بداية جديدة» العالمية وهي مبادرة تعمق العلاقة بين القطاع الخاص الأميركي والمجتمعات الإسلامية حول العالم. بدعم الحكومة وابتكار القطاع الخاص، ستتوفر لدول المغرب العربي فرص عديدة لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل.

وكما صرح الرئيس أوباما في خطاباته في أنقرة والقاهرة وجاكرتا، فإن تحسين فرص الحصول على العلم والتكنولوجيا والتعليم يقوم على الشراكات القوية مع قطاع الأعمال. بهذه الروح تقدم «شراكة شمال أفريقيا من أجل الفرص الاقتصادية» إطارا لتدعيم الحوار والتفاهم والتعاون العميق بين الدول ذات الأغلبية المسلمة والولايات المتحدة. وتسعى هذه الشراكة إلى دعم الشباب وأصحاب المشروعات الناشئة الطموحين ليصبحوا أصحاب أعمال وقادة في مجتمعاتهم. وتشجع الشراكة الشركاء من القطاع الخاص والمجتمع المدني والجامعات والمؤسسات العلمية ومنظمات الأعمال والمؤسسات التي لا تهدف للربح في دول المغرب العربي والولايات المتحدة على المشاركة في الجهود المبذولة لتعزيز الفرص الاقتصادية بين قطاعات الأعمال في الولايات المتحدة ودول المغرب العربي.

ويسعدني أن أكون جزءا من هذا التوجه، فقد أعلنا انطلاق «شراكة شمال أفريقيا من أجل الفرص الاقتصادية» في بداية شهر ديسمبر في الجزائر خلال المؤتمر الأول لرواد الأعمال بين الولايات المتحدة والمغرب العربي تحت رعاية وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأعمال الأميركي - الجزائري. لم يكن ذلك مؤتمرا بالمعنى المتعارف عليه، فقد كان متابعة إقليمية لقمة أوباما الخاصة بالمشروعات الناشئة الرائدة والتي عقدت في أبريل (نيسان) 2010 بالعاصمة الأميركية واشنطن. وقد كانت هذه الفاعلية فرصة لالتقاء منظمات شريكة محتملة وأصحاب مشروعات ناشئة من الولايات المتحدة وكل دول المغرب العربي (الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس) فضلا عن المغتربين من دول المغرب العربي. وتضمن المؤتمر مناقشات حول المبادرات الخمس الخاصة بـ« شراكة شمال أفريقيا من أجل الفرص الاقتصادية» وهي: القيادة وتطوير التدريب، والقيام بأبحاث عن أصحاب المشروعات الناشئة الرائدة من خلال مراكز الجودة الإقليمية، وشبكة اجتماعية تربط بين أصحاب المشروعات الناشئة الرائدة في الولايات المتحدة ودول المغرب العربي، ومراكز الابتكار والتكنولوجيا المخصصة لدعم التدريب على العلم والرياضيات والمشروعات الناشئة الرائدة والمشروعات الجديدة العابرة للحدود، واحتضان المجالات الإبداعية بما فيها القطاع الثقافي. إضافة إلى الترحيب بممثلين شباب من كل دولة في المنطقة، يسعدنا أن ينضم إلينا برينت سكودا، الحائز على جائزة «الطالب رائد الأعمال الدولية» الممنوحة من منظمة «إنتيربيرنيرز» بصفته سفير الولايات المتحدة للريادة.

وسيعقد مؤتمر سنويا لرواد الأعمال بين الولايات المتحدة والمغرب العربي ليكون بمثابة منتدى يجمع بين أطراف «شراكة شمال أفريقيا من أجل الفرص الاقتصادية» ويتيح لهم التواصل وتقييم مدى تقدم الشراكة. وقد أعلن محمد حوراني، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إحدى منظمات العمل الكبرى في المغرب، أن الاتحاد سوف يستضيف المؤتمر السنوي الثاني عام 2011 في المغرب.

وتمثل الشراكة تحولا في نماذج التعاون والتزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة على المدى الطويل. ومن الملامح الرئيسية لهذه الشراكة أنها ليست مشروعا تنمويا، بل شراكة ندية تقوم على جهود قطاعات الأعمال ورواد الأعمال الطموحين والشركاء من القطاع الخاص والعام في الولايات المتحدة ودول المغرب العربي. ولن يعتمد نجاح الشراكة على المعونات التنموية المحلية، بل على طاقة ودعم وذكاء الشركاء أنفسهم بما في ذلك مساهماتهم المالية. ونرى هذه المبادرات كمشروعات ناشئة رائدة مما يجعل كلا منها مشروعا مشتركا رائدا مع أصدقائنا وزملائنا في المغرب العربي.

ويعني هذا أن هذه المبادرات لن تنفذ بين عشية وضحاها، فمثلما هو الحال بالنسبة إلى أصحاب رأس مال المغامر في وادي السيلكون الذين يدعمون المشروعات الناشئة الرائدة، تقوم خطة تدشين الشراكة على فترة «احتضان ورعاية» لمبادرات الشراكة مدتها عامان يتم التركيز فيها على أهداف يمكن تحقيقها كل على حدة.

وتسعى الشراكة الجديدة لخلق رواد في مجال الأعمال وتطوير منظمات العمل في شمال أفريقيا ودعم المشروعات الناشئة الرائدة والقيام ببرامج وأنشطة لدعم مهارات الإدارة والقيادة والمهارات الوظيفية لدى الشباب وتعزيز العلم والابتكار والتكنولوجيا. وتهدف الشراكة أيضا إلى تقديم تدريب على المشروعات الناشئة الرائدة في المجالات الإبداعية والفنية وأخيرا تأسيس روابط قوية بين كليات الأعمال والمعاهد البحثية في الولايات المتحدة والمغرب العربي. ستقدم شخصيات قيادية من الولايات المتحدة والمغرب العربي ومن المغتربين من دول المغرب العربي دعما من خلال المساعدة في تشكيل «المجلس الاستشاري الدولي» للشراكة ومجالس استشارية محلية في كل دولة من دول المغرب العربي.

وتضطلع الحكومات بدور بارز في هذه الشراكة، حيث سيجتمع مسؤولو الاقتصاد في الولايات المتحدة وشمال أفريقيا دوريا من خلال فعاليات عالمية مثل اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ستمثل مثل هذه اللقاءات فرصة عظيمة لتبادل الآراء بشأن مدى تقدم الشراكة. وقد عقد الاجتماع الأول بين الحكومات حول الشراكة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في واشنطن وشارك فيه ممثلون عن دول المغرب العربي الخمس.

الشراكات مشروعات مشتركة طويلة الأمد وتقوم على الحماس وهو ما رأيته لحظة تدشين الشراكة في الجزائر، فهذه هي البداية الصحيحة. وقد أظهرت الولايات المتحدة ودول الغرب العربي التزاما تجاه دعم أهداف الشراكة الخاصة بزيادة المشروعات الرائدة وخلق فرص عمل في المغرب العربي خاصة بين الشباب إضافة إلى تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة في قطاع الأعمال. إنه ليحدوني الأمل في أن تؤدي هذه الشراكة ذات الأوجه المتعددة بين الولايات المتحدة والمغرب العربي إلى تحقيق المزيد من الرخاء في شمال أفريقيا ودعم العلاقات بين شعوب هذه البلاد.

* مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الاقتصاد والطاقة والأعمال

* خاص بـ «الشرق الأوسط»