«الحمار» والمالطي.. درس من تاريخ الإسكندرية

TT

الرواية المعروفة في عام 1882 عن الحجة التي استخدمت لقصف الإسكندرية ونزول القوات البريطانية فيها كانت المذبحة التي حدثت في ملابسات غامضة فيها الكثير من علامات التآمر على ثورة عرابي وقتها وكانت شرارتها خناقة على تعريفة التوصيل بين صاحب حمار ومالطي أخرج سكينه وطعن بها الرجل فانطلقت أعمال شغب ومذبحة قتل فيها عشرات من الأجانب المقيمين وكذلك من المصريين، وعندما علمت الحكومة الوطنية التي كان عرابي قد أعيد وزيرا للحربية فيها انزعجت وأرسلت لجنة تحقيق لكن الوقت كان قد فات، فقد بدأ الغزو.

فرق كبير بين ما حدث قبل 129 عاما تقريبا والمذبحة التي شهدتها نفس المدينة ليلة رأس السنة الحالية فالأولى كانت على خلفية غليان سياسي وحركة وطنية غاضبة من السيطرة الأجنبية على مقدرات البلاد، أما الثانية فنفذها إرهابي أو حفنة إرهابيين متخفين وسط الظلام وهدفهم واضح، وهو إشعال فتنة بين الأقباط والمسلمين المصريين. لكن النتيجة يمكن أن تكون واحدة وهي إضعاف النسيج الداخلي وفتح الباب لتدخلات أو حتى وصاية خارجية إذا سمح لأهداف منفذي مذبحة الإسكندرية بتحقيق أهدافهم من خلال إحداث شرخ داخلي.

السؤال الذي يطرح نفسه وتدور حوله التحليلات بعد هذه المذبحة: هل يجري الحديث عنها كإرهاب محض أم أن هناك شبهة طائفية فيها، وقد كان البابا شنودة بابا الأقباط حكيما عندما قال إن وراء التفجير قوى لا تريد الخير لمصر، وكذلك الرئيس مبارك حينما أكد أنه إرهاب موجه ضد المصريين عامة.

ما حدث هو إرهاب صرف ولكن المشكلة أنه يأتي على خلفية أجواء توتير وخلافات أخذت في بعض الأحيان شكلا عنيفا بين المسلمين والأقباط خلال الأعوام الأخيرة، وشهدت تصاعدا مقلقا في العام الأخير وذلك بسبب قضايا تبدو إذا نظر إليها في شكلها المنعزل كأشياء تافهة مثل خناقة الحمار والمالطي، فهنا أزمة بسبب علاقة عاطفية بين شاب وفتاة من هذا الدين أو ذاك، وهناك أزمة خاصة بتوسيع مبنى لكنيسة، أي إنها قضايا يحلها مجلس محلي أو حتى محكمة بسيطة لكنها تأخذ أبعادا أكبر وأصداء دولية لأن هناك أصلا مناخا يساعد على الاحتقان أو التوتر وتوسيع المشكلات.

وهذا ما يجب أن يجري بحثه وحله في إطار يحافظ على الوحدة الوطنية والعلاقات الصحية بين طرفي الأمة، كما يقال. فليس صحيا دفن الرؤوس في الرمال، فالمشكلات ظاهرة ويمكن أن تحل بسهولة وبتفهم كل الأطراف المعنية، خاصة إذا كانت هناك مطالب للأقباط يشعرهم عدم تحققها بعدم العدالة أو التكافؤ في الفرص. والأهم هو محاصرة التيارات الفكرية الأصولية التي تشبه التتار تأكل الأخضر واليابس وأيدلوجيتها هي الكراهية، وترسيخ ثقافة المواطنة، والدين لله والوطن للجميع.

لقد تم الربط بين ما حدث وأصابع خارجية والتهديدات التي أطلقها في بيان تنظيم يطلق على نفسه القاعدة في العراق قبل أسابيع ضد المسيحيين في الشرق الأوسط وضد الكنيسة القبطية بشكل خاص، وقد تكون أو لا تكون هناك علاقة بين هذه التهديدات وما حدث في الإسكندرية، لكن أي أطراف خارجية تريد الشر للمجتمع المصري لن تتمكن من إحداث الوقيعة إذا كان الجسم الداخلي متينا وسليما.