نقص المناعة

TT

الاستغلال الخبيث لنقاط الضعف الموجودة أصلا في الكيانات المجتمعية هو الذي يحقق النجاح لنظرية المؤامرة بكل أشكالها.

بمعنى آخر، لو أن مكامن الخلل غير موجودة بالأساس لما تمكن أي أحد. وهذه الثغرات الخطيرة المتمثلة في غياب واضح لحقوق المواطنة في بعض دول العالم العربي وانعدام الإحساس بالعدل والمساواة بين أبناء البلاد، تولد شعورا صادقا بالظلم الواقع، وهنا يكون مفتاح باب الفتنة الذي ولّد لدى الغير شهية التدخل في الشؤون الخاصة بالبلاد العربية بحجة الدفاع عن الأقليات وإزالة الظلم عنها، وسواء كانت تلك الأقليات من ضحايا العنف المذهبي أو الطائفي فالنتيجة تبقى واحدة.

في ظل غياب نظام وقانون واضح وصريح يجرم ويحرم التفرقة بين أبناء الوطن ستستمر شهية «الآخر» مفتوحة للتدخل في الشأن الخاص ومحاولة إصلاحه (وستكون معه الحجة والبرهان والدليل لدعم موقفه)، سيكون صعبا المجادلة في أن المساواة قائمة والعدل موجود وسط أرتال من الأدلة التي تدحض هذه الأقاويل وتوضح وجود تفرقة واضحة بين أبناء الوطن الواحد في الفرص الوظيفية والتدريب وإرساء مبدأ أهل الثقة أولى وأجدى من أهل الكفاءة، وأهل الثقة طبعا ينتسبون للمذهب أو المدينة أو للمنطقة أو للقبيلة، وبهذا الوضع يتم تكريس المحسوبية وبالتالي الفساد حتى يتحول الكثير من المواقع الرسمية إلى دوائر نفوذ خاصة ومرتع للمحاسيب والأنصار بامتياز شديد.

هناك كتب دينية تكفّر وترهب وتزندق وتفسّق كل من يخالف رأي من يعتقد أنهم يمثلون الجيل الأسبق من المسلمين (وكأنهم حصلوا على حق حصري للتحدث عمن سبق من المسلمين) ومن خلال هذا «الحق» كونوا خطابا ذا مفردات محددة ومرجعية ثابتة لا تتغير، تستند الى أدلة من شخصيات ثابتة وذات مظهر خارجي موحد، وكأن الموضوع تحول إلى زي وأداء وتثبيت الانتماء إلى فريق بعينه بدلا من دين أُرسل نبيه رحمة للعالمين.

المجتمعات الهشة تولد دولا هشة وبالتالي عرضة وقابلة للاختراق وهذا ما يحصل الآن عربيا.

نعم توجد أسماء ومنظمات وحكومات وأجهزة استخبارات أجنبية تستغل هذه الظروف وتحاول تنفيذ مخططاتها و«تحريك» الكثير من أهدافها بشتى الأساليب، ولكن يبقى الأهم والأخطر وجود الثغرات أصلا مما يجعل مهمة كل هؤلاء أسهل بكثير.

لم ينتبه العرب للدرس اللبناني الطويل المستمر، ولم يفيقوا بعد من صدمة الغزو على العراق، وما زالوا في سكرات انفصال السودان، وطبعا ها هو الفيلم المصري ينطلق هو الآخر وبقوة.

إسرائيل دولة عنصرية وهي تعلم أنها يجب ألا تكون الدولة «الوحيدة» في المنطقة التي تأسست على أساس العرق والدين، ولكي لا تكون عرضة مستمرة لهذه النقطة العنصرية، التي لم يعد بإمكان المجتمع الدولي القبول بها، بل بات يحاربها بقوة وضراوة، فبالتالي باتت إسرائيل تلجأ بقوة وعلانية إلى دعم حركات الانفصال وإثارة الفتن داخل الدول العربية المختلفة لحث الأقليات على إقامة دول مستقلة مبنية على العرق والديانة (وهي تدعم الأكراد بقوة في كردستان العراق وكذلك الجنوب السوداني ولها صلات مريبة مع أقباط المهجر في أميركا الشمالية وكذلك مع الموارنة في لبنان وطبعا مع الدروز) وكل ذلك لم يعد سرا، فالموساد الإسرائيلي يصرح به دوما، والعديد من مراكز صناعة القرار بالولايات المتحدة الأميركية، خصوصا التي تتبع المحافظين الجدد، تتبنى الخط الانفصالي في العالم العربي بشكل فج.

ولكن يبقى التحدي على عاتق المجتمعات والحكومات العربية حقوقيا وأخلاقيا في المقام الأول. انتبهوا لشعوبكم جميعا بشكل عادل ومتساوٍ، وقتها ستكون لديهم المناعة الكافية ضد الغير.

[email protected]