ماذا فعل وزير الإعلام السعودي؟

TT

فعل الدكتور عبد العزيز خوجه، وزير الإعلام السعودي، خيرا بالجميع في السعودية حين دشن هذا العام لائحة جديدة للنشر الإلكتروني في بلاده، إلا أن الدنيا قامت عليه ولم تقعد بحجة أنه يريد تكميم الأفواه، وهذا كلام غير صحيح ألبتة!

ما فعله الوزير قمة الصواب، فمن قال إن الحرية ليست مسؤولية؟ ومن قال إن النشر باب مفتوح على مصراعيه؟ فمن يريد أن يكتب، وينشر، وينتقد، فلا بد أن تكون لديه مصداقية، وعنوان ثابت، لا أن يتخفى خلف جهاز كومبيوتر ليشوه سمعة الناس، ويلوغ في أعراضها، أو يبث الفرقة في المجتمع تحت اسم مستعار، ثم يقول: دعوني أمارس حريتي.. فحريتك تنتهي عندما تتعدى على حرية الآخرين.

هناك مفهوم مغلوط بعالمنا العربي عن الحرية، وحق المعرفة، وعن فهم الفضاء المفتوح، بكل أنواعه، وحتى في مفهوم الصحافي المواطن، الذي لا يعني أن من حقه فعل ما يشاء، فإذا ما نشر فقد خضع لقوانين النشر؛ لذا يدرس الغرب بجامعاته قوانين الملكية الفكرية والنشر.

في الغرب تستطيع أن تقاضي كل من ينشر عنك خبرا غير صحيح، أو معلومة، حتى لو كان من خلال مجموعة بريدية على الإنترنت؛ لذا فلا يوجد انتشار عشوائي لمواقع على الإنترنت تسمي نفسها صحفا؛ حيث باتت العشوائيات سمة لمنطقتنا، فبعد عشوائيات الأحياء باتت لدينا عشوائيات الإنترنت.

فتكلفة إطلاق موقع إخباري على الإنترنت بالغرب تقارب تكلفة إطلاق أي وسيلة إعلامية؛ فهناك ميزانيات، وفريق تحرير، وتدقيق ومتابعة، وهناك نظام صارم لحقوق الملكية الفكرية، لا يقل صرامة عن مكافحة المخدرات.. فليس بمقدور مواقع الإنترنت، بالغرب، أن تسطو على صور أو مقالات من صحف، أو مؤسسات إعلامية، لتقدمها مجانا من دون تكلفة، ومن دون حقوق فكرية، مثلما هو حاصل بالسعودية؛ حيث جل ما ينشر، بل معظمه، هو سطو على الصحف، وهذا يعني تدميرا لمؤسسات إعلامية قائمة. والقصة ليست في تقلص مداخيل تلك المؤسسات، بل إن خسارة تلك المؤسسات تعني تسريح موظفين وخراب بيوت.

نقول: شكرا لوزير الإعلام؛ لأن اللعب الآن بات على المكشوف، ومن أراد أن يناطح فنقول له: الميدان يا حميدان، كما يقال، وأهلا وسهلا به، أو بها، كشخصية اعتبارية باسم وعنوان ومقر عمل، وليس عملا لكل من يريد تصفية حسابات أو بث شائعات.

تنظيم العمل الإعلامي على الإنترنت فيه حفاظ على سمعة الصحافي، والصحافة؛ لأن المصداقية هي المحك، فمعظم مواقع الإنترنت أساءت للصحافة والصحافي أكثر مما أفادت سقف الحرية؛ حيث كرست فكرة أن الصحافيين، والصحافة، هم أهل نميمة وشائعات. وإلى كل من يقول إن هذه اللائحة تكميم للأفواه نقول: إن للحرية ثمنا، ومن يريد أن يدفع هذا الثمن فليعمل في وضح النهار، ويدفع ثمنها، أي الحرية، التي تعني في كل الديمقراطيات، والمجتمعات المفتوحة، مسؤولية، وليس انفلاتا ونميمة. فحتى مؤسس موقع «ويكيليكس» الذي اختار السويد مقرا لموقعه، لأن قوانينها تساعده على النشر، معروف مكانه، واسمه، وصورته، وهاهو يجابه القوة العظمى، أميركا، فمن يريد أن يكون بطلا فليدفع الثمن، ولا يتخفى خلف كومبيوتر.