الباب السوري

TT

لو صحت التقارير التي تحدثت عن تطور جديد وإيجابي في الجهود الأميركية، لفتح المسار السوري والتي بلغت في تفاؤلها حد توقع اتفاق قريب, وحتى لو لم تصح، فإن التفكير الجدي والعملي بتعويض الفشل على المسار الفلسطيني بمحاولة النجاح على المسار السوري، يبدو أمرا منطقيا وله غير هذا السبب، أسباب أخرى.

أولها: هنالك استعداد إسرائيلي لفتح الملف السوري، ولئن تفاوتت درجة الاستعداد بين القوى المتصارعة في إسرائيل، بحيث يبدو أن هنالك من يضع أولوية قصوى لهذا المسار، بينما آخرون يرونه أقل إلحاحا، إلا أن محاذير السلام مع سورية تظل أقل بكثير في تأثيرها على صناعة القرار في إسرائيل من محاذير المسار الفلسطيني الذي لا تزال تتبلور أغلبية كبيرة في إسرائيل، تراها خطرة وذات آثار سياسية وكيانية وحتى دينية سلبية، وهذا الاستعداد الإسرائيلي وإن غلف باعتبارات كثيرة مثل جر هذا البلد العربي الهام إلى دائرة الاعتدال، وفصله عن إيران وحزب الله، فإن الأساس في النظرة الإسرائيلية لسورية تبدو مشابهة تماما لذات الأساس الذي بني عليه السلام مع مصر، وهو تحييد قوة عسكرية هامة وإبعاد خطر الجغرافيا القريبة، بل اللصيقة بإسرائيل. إن اعتبارا جوهريا كهذا يشجع إسرائيل على أن تظل ترنو لسلام مع سورية وأن تضحي ببعض أمتار مختلف عليها من أجل حصد الكثير والهام.

ثانيها: إن سورية في التقويم الموضوعي والسياسي وفي الحسابات العملية والرقمية، ليست مجرد جزء جغرافي تعثر السلام معه، بل إنها مفتاح لما هو أهم وأعمق، فهي الحلقة المتبقية لإنضاج إجماع عربي نحو سلام إقليمي شامل مع الدولة العبرية.

ولو دققنا النظر في الضعف الموضوعي للمبادرة العربية للسلام وعدم النجاح في تسويقها كمشروع عربي، لوجدنا أن السبب الأكثر تأثيرا في الأمر هو غياب الحلقة السورية عن السلسلة وهي حلقة مفصلية تربط فيما تربط من حلقات أخرى لبنان ثم باقي الدول العربية وخاصة السعودية التي مهما كانت طبيعة علاقاتها الثنائية مع سورية صعودا أو هبوطا – استقرارا أو توترا - فهي لم تتخل عن ثابت من ثوابت سياستها وهو تأبط ذراع الشقيق السوري في أمر التسوية النهائية مع إسرائيل، ذلك أن الممر السوري ودون مغالاة هو الممر المشترك لمن تبقى من الدول العربية المعنية بتطبيق المبادرة العربية للسلام.

ثالثها: وهنالك اعتبار متداول يتصل على نحو أساسي بالرقم الفلسطيني في المعادلة، حيث سادت في كثير من التحليلات السطحية لموقع الرقم السوري من معادلة الحل على المسار الفلسطيني، فلقد جرى حديث طويل وكثير عن الاستخدام الإسرائيلي التكتيكي للمسار السوري لإغاظة الفلسطينيين وإدخالهم في سباق مع مسار آخر يغريهم بتقديم تنازلات خشية أن «يركنوا على الرف» كما كان يجري - ولا يزال - حديث عن أوراق فلسطينية بحوزة اللاعب السوري من شأنها رفع تسعيرته في سوق المساومات كما لو أننا في سوق خردوات!

إن طروحات كهذه وإن كانت متداولة ولها من يسوقها ويحاول استخدامها تظل في حال الحسابات الجدية مجرد طروحات تكتيكية لا ترقى إلى مستوى الاعتبارات الجوهرية ذات التأثير الحاسم على صعيد اللعبة السورية - الإسرائيلية - الأميركية.

إن المؤهلات السورية – الحقيقية - وغير الشعارية تظل لو نظر إليها بحد ذاتها ودون رتوش أو مبالغات دعائية، تكفي وتزيد إذا ما نظرت إسرائيل وأميركا إلى مزايا فتح الملف السوري وإنضاج حل كامل مع سورية وهنا يمكن استنتاج أن المسار الفلسطيني سيستفيد إيجابا من إدخال الرقم السوري إلى المعادلة، فلن يبقى على الحلبة سوى اللاعب الفلسطيني الذي إن لم يكن له تأثير حاسم بمقاييس القوة المادية، فهو في كل الحالات ذو تأثير مقلق ومخيف لكل المسارات إذا لم يوجد حل له.

إن مصر والأردن أنجزتا اتفاقات كاملة مع إسرائيل، إلا أن عدم إنجاز الاتفاق على المسار الفلسطيني لم يضع حدا لقلق الدولتين الملاصقتين لفلسطين وإسرائيل، كذلك وفي حال انعدام وابتعاد أي خيارات غير خيار الاتفاق مع إسرائيل، فإن اكتمال السلسلة العربية بالحلقة السورية سوف يكون أكثر قابلية لبلورة سياسة عربية متكاملة بعيدا عن شبح الاعتدال والممانعة، فكل العرب سيكونون معتدلين. وكلهم حين لا يتعاون الإسرائيليون في حل على المسار الفلسطيني سيكونون ممانعين أو ضاغطين.

أعود للبداية، لو صح ما نقول أو لم يصح، فالملف السوري ينبغي ألا يظل على حاله.. من أجل سورية أولا ولبنان ثانيا واستقرار المنطقة ثالثا وقبل ذلك من أجل أن تجد المبادرة العربية للسلام مسوغات جدية كي تعمل.