الكويت: الاستجوابات فقدت جديتها وتحولت إلى مسرحيات هزلية!

TT

يلاحظ في الكويت، أن بعض النواب إذا شعروا بأن لديهم قضية ضد وزير ما، فإنهم يلجأون إلى استجواب.. رئيس الوزراء. تجري دائما مساومات من نوع تقف معي اليوم، أقف معك غدا في استجواب لا بد أنه آت. والغريب أن هناك دائما كتلة جاهزة للوقوف ضد رئيس الوزراء. تجري تحييكات، يتم تبادل المواقف، ويتهدد الأمن القومي الكويتي.

المراقبون السياسيون يتخوفون على الكويت لكثرة وسهولة الاستجوابات. لكن المسؤولين الكويتيين مطمئنون من ناحية واحدة؛ أن هذه الاستجوابات لا تعرقل أعمال الحكومة و«لن يقف في وجهها عائق». يقولون إن جلسات مجلس الوزراء قائمة والاجتماعات تُعقد. وقبل يوم واحد من الاستجواب الأخير للحكومة، عقد رئيسها الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح اجتماعا مطولا مع كافة القيادات في وزارات الدولة للاطلاع على ما أنجزوه في ما يتعلق بخطة التنمية حيث قدم كل مسؤول شرحا مفصلا عما قام به.

السياسيون الكويتيون يقلقهم التغرير بالشباب في مسألة قد لا تحمل خيرا لمستقبلهم، حيث للبعض مصالح ضيقة يريدون ثمنها في المستقبل، ذلك أن أي حراك سياسي موجه للشارع خارج الأطر الشرعية خطير ولا يمكن التكهن بنتائجه. ويقول لي سياسي كويتي مخضرم: «إن من يدّعي عكس ذلك لا يحترم الدستور ولا يتمسك بالقسم الذي أقسمه».

ما تخشاه الكويت أن يكون هذا النهج المتبع، مدعاة لإرهاب فكري وقسري وأداة ضغط على قناعات الناس وأفكارها.

ما تخشاه الكويت أيضا، أنه كلما تم إرسال إشارات متناقضة سال لعاب من يريد الشر «لهذا البلد الطيب». ويذكرني محدثي السياسي الكويتي قائلا: «رأينا هذه المسألة قبل الغزو العراقي حيث فسر صدام حسين التجاذبات السياسية الكويتية وكأنها تشجيع له لابتلاع البلاد». ويضيف: «نحن بلد صغير ونعيش في خضم أمواج متلاطمة، لا نريد لمن يريد الشر ببلادنا أن يتوفر له الوقود في التجاذبات المتطرفة التي لا دخل لها بالقانون أو باللوائح الدستورية أو بالديمقراطية».

لوحظ أن الأبعاد السياسية للاستجواب الأخير الذي تعرضت له الحكومة الكويتية يوم الأربعاء قبل الماضي، كانت ضيقة للغاية. في الاستجوابات السابقة كانت هناك دائما منطقة رمادية فيها مجال للأخذ والرد بين الطرفين المستجوِب والمستجوَب. في الاستجواب الأخير، كما قال محدثي، لم تكن هناك من منطقة رمادية، فقط أسود أو أبيض، بمعنى: هل أنت مع القانون وألا تسود الفوضى، أم أنت مع تشجيع الإخلال بالنظام وما يترتب عليه من تداعيات مباشرة على الأمن والاستقرار في البلاد؟ يؤكد: إن هذه المسألة كانت واضحة، وجرى الاستجواب وخرجت الحكومة سالمة وتقررت جلسة أخرى (عُقدت يوم أمس الأربعاء)، للنظر في طرح عدم التعاون مع حكومة الشيخ ناصر محمد الأحمد. (الاحتمالات حتى مساء الاثنين أن رئيس الوزراء سيجتاز هذا الطرح بكل ثقة). وكان تردد مع جلسة الاستجواب الماضية، أن الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح قد يأمر بحل البرلمان ويستبعد محدثي هذا الطرح ويقول: نحن ديمقراطيون ونحتكم إلى رأي الأغلبية، الحكم لا يريد إجماعا (هذا يحدث في الحكم الديكتاتوري)، لكن في الوقت نفسه لا يمكن لأقلية أن تختطف رأي الأغلبية.

يشرح: «لم يكن للاستجواب الأخير علاقة بالتجاذبات السياسية، بل هدد الأمن القومي الكويتي. رأت أقلية أن قاعة عبد الله السالم (البرلمان) لا تسمح لها بدغدغة مشاعر الناس وفضلت الشارع».

أمام مخالفة القوانين الدستورية، تدخل أمير الكويت - بصفته المسؤول الأول في المحافظة على الأمن والاستقرار- ودعا إلى تطبيق القانون، ومن ضمنه ألا تجري اعتصامات أو مظاهرات شعبية إلا بعد الحصول على رخصة قانونية.

«الندوة» التي كانت سببا في الاستجواب الأخير، جرت في نفس اليوم الذي طلب فيه أمير الكويت ألا تحصل أي تجمعات خارج الديوانيات. في ذلك اليوم، وكأن الأمر مقصود، بدأ القائمون على الندوة بحض الناس وتحريضهم كي لا يجلسوا داخل الديوانية، بل خارجها. يقول محدثي: «كانت تلك وقفة مباشرة ضد الإرادة السامية، كما نقول في الكويت. لقد أصدر أمير البلاد أمرا مباشرا نقله رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي إلى العلن، وفي مساء ذلك اليوم حصلت وقفة التحدي».

ينفي محدثي أن يكون النواب المشاركون في تلك الندوة تعرضوا للضرب، إذ ظلت قوات الشرطة الموجودة تدعو المتجمعين للدخول إلى الديوانية، فكان القائمون يماطلون استغلالا للوقت لزيادة عدد الناس والبقاء أطول مدة في الخارج. ولما عجز أفراد الشرطة عن إدخال المشاركين طلبوا مساعدة قوات أمنية خاصة (مكافحة الشغب) التي حاولت بدروعها، دفع الناس إلى داخل سور المنزل. يضيف محدثي: لم يتعرض أحد لإصابة جسدية، لم يرفع أحد قضية، ولم يعط أي مستشفى تقريرا لأحد بأنه تعرض لإصابة. حصلت فوضى وتعرض رجال الأمن للضرب.

لكن، لماذا تتعرض حكومة الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح للاستجواب دائما، هل لديها نقطة ضعف أو أن هناك نقاط استغلال من بعض النواب الذين «تستهويهم» عملية الاستجواب؟ يجيب السياسي الكويتي المخضرم: ليست المسألة متعلقة بحكومة الشيخ ناصر الأحمد، إنما بالشيخ ناصر نفسه، «لنتكلم بصراحة أن المسؤول عن الأمن هو وزير الداخلية، ولو أن المعنيين جادون بالوقوف على أحداث ما جرى لقرروا استجواب وزير الداخلية ولما رفعوا الاستجواب ضد رئيس الوزراء. يخترعون أحداثا للوصول إلى رئيس الوزراء وتتحول بالتالي عملية الاستجواب إلى مسرحية هزلية غير جدية».

الآن، صارت هناك قناعة لدى الشعب الكويتي بأنه متى رفع الاستجواب للشيخ ناصر، فإن المسألة غير جدية، وغير سياسية وكذلك غير دستورية. فالدستور الكويتي لم يعط أي وزارة تنفيذية مباشرة إلى رئيس الوزراء. المشرعون الكويتيون الأوائل، أرادوا أن يتحمل كل مسؤول مسؤولية رقابية، ورأوا بالتالي ألا تكون لرئيس الوزراء مسؤولية مباشرة، إنما هو مناط بالسياسة العامة للدولة والتنسيق بين الوزارات وإدارة جلسات مجلس الوزراء.

إذن الاستجواب الأخير مخالف للدستور؟ يجيب محدثي: «تماما، لكن بحكم معرفتنا بالشيخ ناصر وفروسيته، وافق على المثول أمام الاستجواب، رغم أنه كانت هناك أصوات كثيرة تطالب بأن يحال مثل هذا الاستجواب إلى المحكمة الدستورية».

إن عدم جدية الاستجواب الأخير، جعل الحكومة تشعر بأن الأمر متعلق بالأمن القومي الكويتي، ومتعلق بتعكير الأمن والاستقرار، وبالنسبة للكويت فإن الأمن القومي خط أحمر غير قابل لأي تهاون فيه. تصر الكويت على حماية وحدة الصف الوطني وعدم إرسال أي إشارة خطأ لأي قوة متنفذة سواء كانت محلية أو خارجية قد تستغل الوضع لإضعاف بنيان الصف الكويتي.

في الكويت إعلام حر ومنفتح، داخل البرلمان الكويتي يمكن طرح كل المواضيع إلى درجة أنه إذا كان لدى أي نائب ضغينة في العمل السياسي ضد وزير ما، يمكن أن يدعو لاستجوابه في أي لحظة وفي كل لحظة. لا يبدو أن هناك مشكلة في الاستجواب، لكن هذه العملية صارت وسيلة استغلال، وللأمانة؛ أضعفت النظام الرقابي وأضعفت أهداف الاستجواب نفسه، وبينت أن إدارة الاستجواب صارت بمثابة نكتة وتضييع للوقت. والملاحظ، أن النائب قبل أن يقدم طلب الاستجواب يقدم طلب عدم تعاون مع الحكومة، أي إنه يلقي بالحكم على الاستجواب قبل سماعه.

هناك حاجة للكثير من الجدية في التعامل مع القوانين في الكويت.

لقد تعرضت الكويت لتجربة مرعبة، ولم تكن عملية استرجاعها من براثن الغزو بسهلة. تقول الحكومة الكويتية الحالية إنها قامت بخطوات لتطبيق صارم للقوانين. بسبب استخفاف بعض النواب الكويتيين بما توفره لهم الديمقراطية، صارت بعض البلدان تنظر إلى الكويت بنوع من التهكم. المخاصمة السياسية ضرورية إذا كانت فعلا مخاصمة سياسية وليست كيديات. ليتعلم الكويتيون مما يمر به لبنان. إذا انتقلت الأمور من المكان الطبيعي لتلاقي الأفكار وتلاحمها، إلى الشارع، يصعب بعد ذلك تجميعها.

الخوف، أنه بسبب قصر نظر البعض، فإن مسيرة الديمقراطية الكويتية قد تتعرض لوعكة خطيرة.