موعد مع القلق

TT

الأمطار الغزيرة التي هطلت على مدينة جدة، وتسببت مجددا في التلفيات للطرق والمنازل والمرافق، فتحت مرة أخرى ملف الخدمات والمرافق الخاصة بالمدينة والمناطق التابعة لها. حماسة التعامل مع حادث العام الماضي الكئيب، والذي سقط فيه العشرات من الضحايا نتيجة الأمطار الهائلة التي سقطت وتسببت في أخطر كارثة طبيعية في التاريخ السعودي الحديث، يبدو أنها هدأت، والتحدي المطلوب الآن هو إنجاز المشروع المطلوب المتعلق بتصريف مياه الأمطار وإنهاء واستكمال شبكة الصرف الصحي التي طال انتظارها. ويبدو جليا أن الاعتماد على النهج القديم والتقليدي في طرح المشاريع لم يعد مجديا ولا مثمرا ولا فعالا لحل مشكلة جدة الخاصة بتصريف مياه الأمطار ولا الصرف الصحي، وبالتالي أصبح من المطلوب التفكير بصورة غير تقليدية. فالمطلوب إنجاز مشروع متكامل المواصفات بتكلفة اقتصادية في زمن قياسي، هكذا هي المسألة ببساطة شديدة.

هناك مثال جيد يضرب به المثل، وهو ما تنجزه شركة «أرامكو» من مشاريع بلا مشكلات ولا شكاوى، لدرجة أنه تم إسناد العمل إليها لتنجز أهم صرح تعليمي في تاريخ البلاد وهو جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية، وتم الإنجاز في زمن لا يصدق وبمعايير جيدة، وظل ضمن الموازنة المخصصة له، والأهم أن الإنجاز تم قبل الوقت المحدد. لذلك يبدو منطقيا وعقلانيا أن يتم التعامل مع الوضع في جدة على أنه «كارثي» وحالة طوارئ قصوى، فليس من المنطق ولا المقبول أنه كلما غيمت السماء وقيل إن التوقعات الجوية تقول إن جدة مرشحة لهطول الأمطار عليها، تنتاب الناس حالة من الذعر والرعب والقلق الشديد لما سيصيبهم بعدها من ضرر في شوارعهم وعلى منازلهم.

كان أهل جدة قديما مثل غيرهم من سكان المدن والقرى يتباشرون ويتفاءلون بهطول الأمطار، فينشد الأطفال الأغاني والأهازيج، مثل «يا مطره حطي حطي»، ويعدون الصحن الشهير المعروف باسم «الأرز أبو عدس» حين تظهر بوادر غيم في السماء، فتقوم ربات البيوت بطهي هذا الصحن بمياه الأمطار التي تهطل، ومنهم من كان يغسل وجهه ويتوضأ بمياه الأمطار التي تهطل من باب الاستبشار والشكر للخالق، كل ذلك تحول إلى كابوس مخيف يستدعي إعادة النظر في أسلوب التعامل مع المشاريع ذات الطبيعة الطارئة.

ليس من المقبول وبعد انقضاء أكثر من عقدين على تصور خطة تصريف مياه الأمطار أن يقال في تصريحات رسمية إن مشاريع تصريف المياه لن تنتهي في عام أو اثنين، ولم لا تنتهي في عام؟ هناك شركات مقاولات عملاقة حول العالم تنجز مشاريع في أزمنة قياسية، والأدلة على ذلك موجودة لمن رغب في المعرفة، لكن الإحراج والقلق والذعر تستحق حراكا جادا ومتكاملا وتفكيرا غير تقليدي يخرج من دائرة الروتين والبيروقراطية والإهمال، حيث كانت هذه الأسباب جميعا وغيرها مجتمعة سببا لكارثة جدة وستكون سببا لعودة الكارثة مجددا.

[email protected]