اللورد كارنانفون

TT

اسمحوا لي أن أحدثكم عن اللورد كارنانفون الممول لاكتشاف مقبرة الملك «توت عنخ آمون».. لقد سافر اللورد كارنانفون لأول مرة إلى مصر عام 1898، وذلك بعد أن قام فيكتور لوريه بالكشف عن خبيئة المومياوات الثانية بمقبرة الملك «أمنحتب الثاني» بوادي الملوك، وهي المقبرة المعروفة برقم KV35، وكان العثور على هذه الخبيئة مختفية خلف جدار منقوش من جدران المقبرة حدثا فريدا ومهما، ولكم كان العثور على 13 مومياء معظمها لملوك في هذه الخبيئة إشارة واضحة إلى أن الفراعنة لا يزالون لديهم الكثير من الألغاز والأسرار التي على رجال الآثار حلها!

وبدأ اللورد كارنانفون منذ عام 1906 في قضاء معظم فصل الشتاء في مصر.. خاصة بعد أن نصحه الأطباء بالابتعاد عن الأجواء الرطبة والعيش في بيئة جافة، فكانت مصر هي الحل الأمثل له، وأثناء وجوده في مصر استطاع أن يحصل على تصريح بالحفر عن الآثار في مصر وظل لمدة 16 عاما، وكانت أغلب أعمال الحفائر التي يمولها تتم في الأقصر بوادي الملوك وبمقابر النبلاء.. وكان اللورد كارنانفون معروفا في ذلك الوقت بأنه يحصل على الآثار الناتجة من حفائره، بالإضافة إلى أنه كان يشتري الآثار من السوق.. وبهذا استطاع تكوين واحدة من أكبر وأهم المجموعات الأثرية الخاصة في العالم كله، حتى إن البعض اعتقد أن ما لديه من آثار يفوق ما هو موجود بالمتحف البريطاني.. بل إن هناك قطعا فريدة داخل المجموعة ليس لها مثيل.

وقد قابل كارنانفون هيوارد كارتر واقتنع بتمويل حفائر البحث عن المقبرة الملكية المفقودة وظل يمول هذه الحفائر لمدة أربع سنوات، وفى العام الخامس تردد اللورد وأشار إلى كارتر بضرورة وقف أعمال البحث، لأنه ليس هناك جدوى، وأن المقبرة لن يتم كشفها، ولكن كارتر كان مصمما على استكمال العام الخامس حتى ولو على حسابه الخاص.. وعندما وجد اللورد تصميم كارتر على العمل في الوادي وافق على أن يكون هذا العام هو العام الأخير.. وكانت المفاجأة أن تم الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» في هذا العام!

وحضر اللورد إلى الأقصر لرؤية الكشف الرائع مصطحبا معه ابنته إيفلين التي وقعت في غرام هيوارد كارتر، وقام اللورد بإعطاء حق نشر أخبار الكشف الأثري المذهل إلى جريدة «لندن تايمز» فقط، وحرم الصحف الأخرى من هذا الحق، وكان ذلك نتيجة عائد مادي ضخم.. وحاول اللورد وهيوارد كارتر الحصول على نسبة من آثار المقبرة، ولكن قوبل طلبهما بالرفض، لأن القانون المصري في ذلك الوقت لا يسمح بقسمة المقبرة التي تكتشف سليمة وآثارها كاملة؛ ولذلك فقد حاول كارنانفون أن يسرق آثارا من المقبرة، ولا نعرف هل تم ذلك بعلم هيوارد كارتر أم من دون علمه؟

ومات اللورد كارنانفون بعد الكشف عن المقبرة بثلاثة شهور فقط، وكان لموته صدى كبير في ظهور ما يطلق عليه اسم «لعنة الفراعنة»، وجعلت السينما العالمية تخرج أفلاما سينمائية عن لعنة الفراعنة.. وقامت أرملته بعد موته ببيع أغلب الآثار الموجودة بالقلعة إلى متحف المتروبوليتان في نيويورك حتى تستطيع سداد تكاليف الوفاة.. وقام هيوارد كارتر بتسجيل هذه الآثار، وأعلن أنه قد ترك بعد ذلك بعض القطع غير المهمة داخل القلعة، وهذا غير صحيح لأن هناك إناء الألباستر، ولوحة «إخناتون» تعتبر من الآثار المهمة التي ما زالت موجودة داخل القلعة، وهناك كذلك قطع أثرية أعارتها أسرة اللورد إلى المتحف البريطاني، وكذلك متحف نيو بري بإنجلترا. وهناك قاعة الآن مليئة بالتماثيل والأواني الجميلة وتابوت خاص لسيدة نبيلة يعود تاريخه إلى نحو 3500 سنة.

أعتقد أن المعركة قد بدأت بيننا وبين أسرة اللورد للمطالبة بعودة هذه الآثار إلى مصر، ولا أعتقد أن حفيد اللورد يستطيع أن يثبت خروج هذه الآثار بالطريقة القانونية..!