إيران: أحمدي نجاد يسعى من أجل اكتساب شرعية

TT

على أمل استعادة درجة من الشرعية في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2009 والمطعون في نتائجها، ربما يحاول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إعادة تصوير نفسه كقومي يقود نضالا ضد خصوم أجانب.

وقد أشرنا بالفعل إلى هذا المنحى في مقالات سابقة، في الوقت الذي يتخلى فيه الرئيس الإيراني - ببطء ولكن باطراد - عن الحديث الإسلامي المعروف ويستخدم نبرة قومية. وتوجد في الوقت الحالي مؤشرات جديدة تظهر هذا الاتجاه.

وفي يوم الثلاثاء الماضي، قام أحمدي نجاد بزيارة إلى سمنان، وهي المحافظة التي ولد فيها والداه، من أجل تدشين بعض المشروعات الحقيقية أو الوهمية. وخلال تجمع لمناصريه، ألقى كلمة مطولة استغرقت ساعة لم يذكر خلالها كلمة الإسلام، وذلك وفقا لنص الكلمة الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إرنا».

وتحدث أحمدي نجاد عن «أرض الأطهار»، وهو اسم كان يطلقه الآريون القدماء على إيران عندما استوطنوها. وبدلا من استخدام كلمة «أمة» التي تشير إلى المجتمع الإسلامي ويفضله رجال الدين، استخدم الرئيس كلمة «ملت»، وهي كلمة تعني «قوم» باللغة الفارسية.

وطور من فكرته الجديدة الخاصة بـ«المذهب الإيراني» في مقابل «المذهب الإسلامي»، وزعم أنه بفضل الحضارة الإيرانية القديمة، تمكنت إيران من قيادة البشرية.

وعند وصوله تسلم أحمدي نجاد قائمة بها مطالب المواطنين المحليين. ووفقا لما ذكره مدير الشؤون الثقافية داخل المحافظة حميد يزداني، فقد جاء على رأس القائمة طلب تمديد معرض داخل إيران يعرض اسطوانة سايروس الشهيرة، التي تحتوي على مرسوم سايروس العظيم، مؤسس الإمبراطورية الفارسية.

وجرى استعارة الاسطوانة من المعهد البريطاني داخل لندن، ومن المقرر إعادتها إلى هناك الأسبوع المقبل.

وزعم يزداني قائلا: «يتمنى سكان سمنان رؤية أثر من حضارة بعثت النور داخل العالم». ويعد ذلك مضادا لما يقوله الملالي الذين يزعمون أنه لم تكن حضارة في أي مكان داخل العالم قبل أن يظهر الإسلام ليضع النهاية لـ«عصر الظلام».

وكان الراحل روح الله الخميني، الملا الذي أسس النظام يكره كلمات مثل «الدولة» وإيران. وهذا هو سبب إصراره على أن البرلمان الإيراني، الذي كان يعرف باسم «المجلس الوطني الاستشاري الإيراني» كان يجب أن يعاد تسميته ليصبح «المجلس الاستشاري الإسلامي». وفي كل مؤسسة حكومية تقريبا، تم إلغاء كلمة الإيرانية» واستبدالها بـ«الإسلامية»؛ حتى إن آية الله صادق خلخالي، أحد مؤسسي النظام الخميني أشار إلى أن إيران كان يجب أن يعاد تسميتها باسم «إسلامستان».

وكتب خلخالي في عام 1981: «القومية خطيئة ومرض». وقد تم انتقاد الانحراف الوطني لأحمدي نجاد من قبل الملالي ومن بينهم «المرشد الأول» علي خامنئي.

ورد الرئيس بتحد. فقال في أحد الخطابات الأخيرة: «هناك أشخاص خائفون من كلمة إيران. دعهم يخافوا! هذه إيران ونحن إيرانيون».

وخلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أرسل أحمدي نجاد قوات الحرس الثوري لمنع مجموعة من الإسلاميين من تدمير البقايا القديمة لمعبد «آناهيتا» إلهة الخصوبة في مدينة كانغافار، غرب طهران.

وقد يكون أحمدي نجاد قد تحول مؤخرا لتوجه يمكن أن يطلق عليه المرء «القومية الإيرانية». وقد أثر هذا التوجه على كل الجماعات السياسية الإيرانية تقريبا بما في ذلك كل جماعات المعارضة تقريبا.

وقد تبنى رئيس الوزراء الإيراني السابق مير حسين موسوي، الرجل الذي يدعي أنه كان قد فاز بالانتخابات الرئاسية عام 2009 ضد أحمدي نجاد، خطابا وطنيا كاملا تقريبا. ولم يعد يستخدم لقب «السيد» الذي يشير إلى ادعائه الانتساب إلى الإمام الشيعي السابع.

وقد أعاد الرجل، الذي أنكر مجرد وجود دولة إيرانية في عقد الثمانينات، طرح نفسه في دور المتحدث الشرعي باسمها.

ومنظمة مجاهدي خلق، وهي منظمة عسكرية ساعدت الخميني على الفوز بالسلطة كمجموعة مختلطة من الجماعات الماركسية والإسلامية لها علمها وشارتها ونشيدها الخاص. ولكنها بعد ذلك في السنوات الأخيرة، انتقلت المنظمة إلى صف المعارضة واحتشدت تحت علم إيران الوطني وشارة «الأسد والشمس». وكنشيد وطني، تبنت المنظمة نشيد «يا إيران»، وهو واحد من أشهر التحيات للقومية الإيرانية.

وحتى الجماعات الماركسية الأكثر انفتاحا مثل، جماعة الفدائيين الشعبية، قد تخلت بالكامل تقريبا عن خطابها اليساري لصالح خطاب يؤكد على القومية والديمقراطية.

وقد تبنت كل الحركات السياسية الإيرانية تقريبا التي تعارض النظام الخميني العلم المكون من ثلاثة ألوان هي الأخضر والأبيض والأحمر، وشارة «الأسد والشمس» ونشيد «يا إيران!».

وتؤثر القومية الإيرانية على كل جوانب الحياة في إيران.

وتبدأ العديد من الخطابات العامة الآن بعبارة «باسم الله وإيران».

ويتزايد عدد زوار الأطلال والآثار القديمة، ومن بينها مقبرة «سايروس العظيم» في مدينة باساغارد، شمال شيراز بقفزات هائلة. واستقطب معرض «اسطوانة سايروس» في متحف إيران القديمة بالعاصمة طهران حشودا كبيرة. واصطف الناس طوال الليل من أجل دخول المعرض الذي يزعم اسفنديار رحيم مشائي، قائد أركان أحمدي نجاد أنه المعرض الأكثر شعبية في التاريخ الإيراني.

وللمرة الأولى منذ قدوم الملالي إلى السلطة، صدرت أوامر للسفارات الإيرانية ومكاتب خطوط الطيران المملوكة للحكومة في الخارج بوضع ملصقات تظهر بعضا من الآثار الإيرانية في مرحلة ما قبل الإسلام.

وعودة «القومية الإيرانية» هي آخر علامة على شخصية إيران المنقسمة. ويمتلك الإيرانيون، كشعب، تاريخا يمتد لنحو 30 قرنا تقريبا. ونصف هذا الامتداد الزمني مغطى بمجد إيران القديم، بينما كانت إيران في النصف الآخر مساهما كبيرا في خلق حضارة إسلامية. ونبذ أي نصف سوف يمثل رفضا لجزء كبير من الهوية الإيرانية.

ويحب الناس الخميني، الذي أنكر وجود هوية إيرانية تشبه هوية الماركسيين الدوليين الذين فضلوا تكافل الطبقات على القومية.

ومن المبكر جدا تقرير ما إذا كانت محاولة أحمدي نجاد للظهور بمظهر قومي إيراني تمتلك أي فرصة للنجاح. وقد يجد خطابه الجديد صدى لدى قطاعات من الطبقات الوسطى الحضرية بالإضافة إلى جزء من الجيش. وقد يضلل أيضا بعض الناس للاعتقاد بأن سياسة أحمدي نجاد الخارجية المستفزة مدفوعة باهتمام وطني بدلا من اعتبارات عقائدية.

ويمكن أن يساعد الخطاب الجديد الحكومة أيضا على تبرير سياستها القمعية ضد الأقليات العرقية والدينية الإيرانية لأنها أصبحت أكثر وضوحا وقوة في مطالباتها بتحقيق الاستقلال والحريات الثقافية.

ولكن في النهاية، من غير الوارد أن ينجح تحرك أحمدي نجاد تجاه الملاذ الأخير للأوغاد. ولا يمكن أن يتحول نظام قمعي بعقيدة مناوئة للقومية الإيرانية بين عشية وضحاها إلى نظام مدفوع بمشاعر الوطنية.

ولن يغير القرع على طبول الأمجاد القديمة من حقيقة أن الاقتصاد الإيراني يخسر 3000 وظيفة يوميا بينما يتراوح النمو بين مناطق أقل من الصفر، كما لن يمنع عددا كبيرا من الإيرانيين من الإيمان يقينا بأن أحمدي نجاد سرق انتخابات 2009.

وسواء تحدث عن إيران أو الإسلام، فسوف يجد عدد كبير من القوميين وعلى الأقل بعض الإسلاميين صعوبة في الثقة بقيادة عزلت الدولة وأبقتها في حالة من التعرض لأزمات دائمة.