الموساد وجريمة الإسكندرية

TT

باختصار، الذين فجروا المصلين في كنيسة الإسكندرية هم قوم متعصبون. بداية من المنفذ الانتحاري، ونهاية بالمخططين والممولين والمحرضين والمساعدين.

ليست القصة، كما يحاول كثيرون من المصريين وأيضا العرب قوله إن «الموساد» الإسرائيلي خلف هذه العملية، ليس لأن إسرائيل نقية الثوب، بل هي دولة تحترف القتل دون قيود من أجل نفسها، وما حادثة المبحوح في دبي عنا ببعيد، ولكن لأنه ليس من المنطق ولا من الإحساس بالمسؤولية أن نرمي كل شيء على إسرائيل هكذا «على العمياني» كما يقال. فقط لأن إسرائيل دولة بغيضة في العالم الإسلامي.

التحقيقات في أولها، لنصبر، ربما، أقول ربما، تكشف عن أن إسرائيل أو جهات فيها خلف جريمة الإسكندرية، وربما تكشف عن جهة أخرى خارجية. وربما تكشف عن أن العملية دبرت من مخابئ أسامة بن لادن والظواهري في جبال وزيرستان، وربما تكون جماعة محلية متطرفة.

شخصيا، أرجح الفرضية الأخيرة، عطفا على جو التطرف الديني السائد لدى بعض الجماعات المصرية المحلية، وعطفا على حملات الهجاء الديني بين «بعض» المسلمين و«بعض» الأقباط، وعطفا على عدة حوادث سابقة من التوترات بين أقباط ومسلمين، معروفة التواريخ لمن أراد مراجعتها وتذكرها، خصوصا في الإسكندرية. وعطفا، بعد هذا كله، على أنه سبق أن هاجمت «القاعدة» كنيسة سيدة النجاة ببغداد، وأعلنت صراحة نيتها الهجوم على كنائس الأقباط، ومنها كنيسة القديسين في الإسكندرية، بسبب ما قالت إنه احتجاز الكنيسة لفتاتين مسيحيتين اعتنقا الإسلام..

هذه الفرضية يميل إليها بعض المهتمين بظاهرة الإرهاب الديني مثل الزميل الأستاذ ضياء رشوان، كما في حواره مع جريدة «إيلاف» الإنترنتية، ورغم أن السيد رشوان معروف بأنه سياسي معارض لسياسات النظام، فإنه لم يجار الموجة التي تتحدث عن اختراق «الموساد» للدولة المصرية وتحميله فورا وزر العملية حتى يبرر هذا البعض سبب رفضه لسياسة السلام التي تنتهجها الدولة المصرية تجاه إسرائيل.

صحيح أن كامب ديفيد اتفاقية «غير شعبية» لدى كثير من المصريين، وبطبيعة الحال لدى «الإخوان المسلمين» والناصريين ومن لف لفهم، ولكن هذا أمر، والخلط بين هذه المواقف وبين فهم حقيقة ما جرى في الإسكندرية، وغير الإسكندرية من مدن العالم الإسلامي، أمر آخر.

قرأت لكاتب عربي، معارض لسياسات مصر على طول الطريق، يكتب من لندن، معلقا على أحداث الإسكندرية، أن ما جرى هو بسبب موقف مصر من السلام. وأن متاعب مصر كلها بدأت مع طريق كامب ديفيد!

لست أدري ما دخل هذا بذاك؟! هل الإرهاب الديني في مصر بدأ فقط منذ أن وقع الرئيس السادات اتفاقية مع إسرائيل؟! وهل «كل» ما جرى من إرهاب ديني بعد ذلك إلى اليوم هو بسبب رفض هذه الاتفاقية؟!

هذا تحليل في غاية التوظيف السياسي الفج لحدث إرهابي صرف.

لكن للأسف هذا هو الخطاب السائد لدينا، والمنتج من بعض نخبنا، ولذلك نبتعد دوما عن وضع أصابعنا على موضع الداء.

[email protected]