سيناريوهات مزعجة للعالم العربي

TT

بيروت - بداية عام جديد هي لحظة مناسبة دائما لمراجعة الماضي والتفكير في المستقبل. وتعتبر هذه الممارسة في الوضع الحالي للعالم العربي مؤلمة. وسوف أشير إلى خمسة من أكثر التوجهات إثارة للقلق في عام 2010 والتي ربما تحدد شكل الأوضاع وتصيب منطقة الشرق الأوسط خلال العام المقبل.

* الهجمات الوحشية ضد المسيحيين في العراق ومصر تعكس عمل أقلية صغيرة من المجرمين المتعصبين، ولا تمثل آراء الأغلبية الإسلامية في العالم العربي. ولكنهم يمثلون جزءا من توجه أحادي، واستقطاب ثابت وتقسيم للمجتمع العربي، سواء أكان السكان المعنيون من المسيحيين أو الأكراد أو الفلسطينيين أو الآشوريين أو الشيعة أو السنة أو جماعات بارزة أخرى تعيش بشكل متزايد فيما بينها بدلا من التعايش في مجتمعات مختلطة. وهذا الإخفاق الكبير للعالم العربي المعاصر يعكس نقاط الضعف لكل محاولات بناء الدولة خلال الأجيال الثلاثة الماضية بالإضافة إلى عدم قدرة الأغلبيات بين كل المجتمعات على وقف الفظائع التي ترتكبها أقلية صغيرة من المسلحين بينهم.

* من المتوقع أن يؤدي الاستفتاء في جنوب السودان إلى التصويت بأغلبية قوية على انفصال الجنوب عن السودان وإقامة دولة جديدة مستقلة. وسوف يمثل هذا لحظة تاريخية في تاريخ العالم العربي المعاصر الذي يواصل فورا التوجه الأحادي المذكور أعلاه، ويمثل أيضا نموذجا نادرا لإعادة ترسيم حدود الدولة التي خلفت بواسطة القوى الاستعمارية الأوروبية المنسحبة خلال القرن الماضي. ويحدث هذا في أعقاب عقود من الحرب التي أدت إلى تشريد أربعة إلى خمسة ملايين سوداني ومقتل ما يقرب من مليوني شخص، إلى جانب إدانة الرئيس بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة الجنايات الدولية.

* سوف ينظر إلى خطوة السودان على أنها تطور إيجابي إذا تبين أنها تمثل ممارسة سلمية لحق تقرير المصير من قبل سكان جنوب السودان. وهي أيضا خطوة مهمة بسبب ما قد تعلنه بالنسبة لأجزاء أخرى من العالم العربي، حيث تبدو مسألة سيادة الدولة باستمرار هشة في الغالب. وقد اتضح من أماكن مثل فلسطين والعراق ولبنان والصومال واليمن أن العالم العربي يواجه بعض التحديات الخطيرة في دمج دول خاصة تحت قيادة وطنية واحدة تتمتع باحترام عالمي وشرعية وولاء. والدول العربية الأخرى التي لا تواجه مثل هذه التوترات الداخلية تفعل ذلك عادة بسبب إجراءات الأمن القوية لدولة مركزية جدا، تفرغ فكرة المواطنة إلى حد كبير من الكثير من حرياتها وحقوقها وحيويتها.

والاختيار بين دولة منكسرة ودولة بوليسية لا يمثل خيارا سعيدا جدا للمواطن العربي العادي، ولكنه يلوح في الأفق بشكل متزايد على أنه الحقيقة البائسة لمعظم العرب.

* تحول الصراع الذي كان يتمحور في الماضي حول الصراع العربي الإسرائيلي المتمركز سابقا إلى نقطة ارتكاز لمواجهة إقليمية أكثر اتساعا مع إيحاءات دينية قوية ينذر بعواقب سيئة للمنطقة خلال السنوات القادمة. ويمثل الصراع العربي الإسرائيلي نقطة ارتكاز لمواجهة أكثر عنفا وتعقيدا إلى حد كبير تشهد تعاون بعض الدول العربية (وخصوصا سورية) مع إيران وحركات المقاومة الإسلامية العربية القوية مثل حماس وحزب الله من أجل صد ليس فقط الاعتداءات الإقليمية الإسرائيلية، ولكن أيضا ما ينظرون إليه على أنه طموحات للهيمنة الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط العربية - الإسلامية.

الآن، تحولت الادعاءات المتناحرة للفلسطينيين والإسرائيليين حول أحقية السيادة على زاوية ضيقة من المنطقة إلى معركة وجودية إقليمية، بل وشبه عالمية بين عناصر قوية تبدو مستعدة للقتال حتى النهاية.

وعليه، ستجد الصراعات الإقليمية والعالمية الواسعة الآن بسهولة أكبر عناصر محلية تعمل لصالحها بالوكالة في شن الحروب، بينما غالبا ما تتفاقم المشاحنات المحلية بسرعة لتتحول لصراعات حادة ومعقدة بسبب ارتباطها بعناصر أجنبية.

* استمرار غياب حياة سياسية محلية موثوق بها تتميز بالديمقراطية والتعددية في العالم العربي بأسره يعد مصدرا مزمنا وربما متناميا لنقاط القصور الجوهرية على المستوى الاجتماعي وعلى مستوى الدولة، مما أسفر عن التوجهات الأربعة سالفة الذكر.

ويبدو الكثير من أنظمة الحكم بالعالم العربي منغلقة على نحو خاص أمام التطور والتقدم. وقد شهدت بعض الدول إجراء العديد من الانتخابات مؤخرا - أبرزها مصر والأردن والبحرين - وأكدت أن السياسة ليست مجالا يمكن السعي من خلاله بجدية للتغيير أو التشارك في السلطة داخل العالم العربي. ويوفر المجتمع المدني والسياسات الانتخابية والبرلمانية سبلا محدودة للتعرف على مشاعر المواطنين ومظالمهم وتطلعاتهم، لكنها لا تترجم ذلك إلى عنصر ملموس في السياسات الحكومية. وكان من شأن خطوات مثل التصويت الذي أجراه البرلمان اليمني الأسبوع الماضي تعزيز سطحية وخواء أنظمة الحكم السياسي الداخلية.

وسيكون من العسير تغيير هذا الواقع السياسي المؤسف بسرعة، لكن من المستحيل أيضا استمراره إلى الأبد. ومن المحتمل أن يشهد هذا العام استمراره، حتى تصل مجموعة من المواطنين العرب لنقطة الانفجار وتقرر تغيير هذا السيناريو المؤلم.

* مدير «معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية» في الجامعة الأميركية ببيروت.

* خدمة «نيويورك تايمز»