«أصغري»ـات بين أنقرة وطهران

TT

قفز موضوع اختفاء أهم قيادات الحرس الثوري الإيراني ونائب وزير الدفاع الأسبق علي رضا أصغري مجددا إلى واجهة الأحداث مع انتشار أنباء غربية متضاربة حول مصيره، تحدث بعضها عن احتمال انتحاره في سجنه الإسرائيلي، بينما ذكر بعضها الآخر أنه تمت تصفيته إسرائيليا انتقاما لشنق السلطات الإيرانية عميلا مهما للموساد في طهران.

ويبدو هنا أن تركيا بين المستهدفين والمعنيين بكل ما يذكر ويقال خصوصا بعد:

- مسارعة زوجة أصغري لتحميل أنقرة المسؤولية عن اختفائه ومصيره ومطالبتها بنشر المعلومات التي تملكها، لأن أخباره انقطعت في إسطنبول، حيث وصلها من سورية في فبراير (شباط) 2007، كما قيل وقتها.

- تحرك رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني لمطالبة تركيا بالتعاون مع السلطات الإيرانية والكشف عن أسماء عملاء الموساد المتورطين في هذه العملية التي تمت داخل تركيا.

- أصوات إيرانية تتعالى مطالبة الأمم المتحدة بأجراء تحقيق أممي حول مصير هذه الشخصية الإيرانية التي كانت قبل سنوات تدير وتشرف على أكثر من ملف أمني واستراتيجي داخل إيران وخارجها، مما سيطال تركيا بشكل أو بآخر.

إسرائيل التي حركت الرماد مجددا تحت هذا الملف تعرف أنها ستواجه صعوبات بالغة في اختراق التقارب التركي - الإيراني، لكنها مع ذلك تريد تجربة حظوظها وتحقيق أهدافها في قطع الطريق على الوساطة التركية الجديدة وتحضيرات اجتماع إسطنبول المرتقب بين الدول الغربية وطهران في موضوع الملف النووي الإيراني، محاولة إعادة بعض الاعتبار لجهاز الموساد الإسرائيلي الذي تلقى في العام الماضي ضربات قوية طعنت في صورته وقدراته الإقليمية، كان أهمها اعتقالات بيروت وعملية دبي الناجحة والإنجاز المصري الأخير في توقيف أحد أهم عملائها هناك، ثم مسارعة طهران لإعدام عميل آخر لها اعترف بالكثير من نشاطاته، محاولة الترويج لمشاركة الأتراك في عملية اختطاف أصغري أو التغاضي عنها لإحراج أنقرة في الداخل والخارج وقطع الطريق على أي محاولة تركية للمطالبة بالكشف عن أي دور لإسرائيل في اختفائه، وبالتالي المطالبة باسترداده منها. ويبقى السؤال: كيف تسرب إسرائيل معلومات من هذا النوع، وهي تعرف أن علاقاتها بأنقرة باتت عرضة للقطيعة الكاملة في كل لحظة، أم أن هذا ما تريده حكومة نتنياهو اليوم؟ وأنقرة التي اختارت التكتم أو عدم الحديث العلني عن هذا الموضوع تقول بشكل أو بآخر إنها ترفض مقولة احتمال اختطاف شخصية بالغة الأهمية ولها وزنها الأمني والعسكري بمثل هذه السهولة وإنها أبلغت طهران بوجهة نظرها، هذه وبأنها لن تتورط في عملية من هذا النوع تتعارض مع سياساتها واستراتيجياتها الإقليمية منذ أكثر من 8 سنوات، وأنها قدمت لطهران الكثير من المعلومات التي تملكها، وأنها لن تخوض مغامرة تخدم أهداف الغرب أو إسرائيل، وتطيح بكل ما تم تحقيقه من خطوات على طريق التقارب التركي - الإيراني.

بعد 3 سنوات على اختفائه يبدو أن هناك تفاهما ضمنيا تركيا - إيرانيا حول ملف هذه الشخصية الإيرانية، وأن المعلومات المتبادلة بين الجانبين قادت إلى هدنة طويلة الأمد على الرغم من أن قراءات الطرفين تختلف عن بعضها البعض وتتضارب في أكثر من مكان. فالمعلومات التي قدمتها أنقرة لم تطمئن الإيرانيين الذين يرفضون سيناريو قدومه طواعية لإسطنبول بعد اتصالات أجراها مع الغرب، بهدف طلب اللجوء السياسي واحتمال انشقاقه عن قيادة أحمدي نجاد وتلويحه بالكثير من المعلومات الثمينة التي يملكها لتعزز فرصه هذه، وهم يرجحون مقولة اختطافه ضمن عملية مشتركة غربية إسرائيلية نفذت في إسطنبول، لا بد أن يكون لأنقرة رد فعلها القوي تجاهها لأنها نفذت داخل أراضيها.

بين السيناريوهات المتطايرة التي لم نعرها الاهتمام الكافي أن نفترض أن أصغري غادر بلاده بالتنسيق مع قيادة نجاد لتشتيت أفكار الإسرائيليين والغرب معا حول الخطط والاستراتيجيات الإيرانية وأنه أسهم بذلك في تحقيق وإنجاز القسم الأكبر من البرنامج النووي الإيراني، بعدما أكسب بلاده الفرص والوقت وأنه قد يكون فعلا دفع ثمن ذلك حياته.

حماية مسار العلاقات التركية - الإيرانية سيكون بجميع الأحوال تحت رحمة الكشف عن ملابسات هذا الملف الشائك الذي تفجر قبل 3 سنوات، لكن الأتراك الذين يرددون أنهم وضعوا كل ما بحوزتهم من معلومات ووثائق بيد الإيرانيين ولا جديد يضيفونه عليها حتى الآن. ربما يعرفون أن الكلمة النهائية ستكون مرة أخرى لهم إذا ما شعروا بأن ما يجري سينقلب ضدهم، خصوصا إذا ما قرر الأمين العام للأمم المتحدة التحرك فعلا بناء على طلب بعض الإيرانيين لدعم إجراء تحقيقات أممية بشأن مصير أصغري تكون أنقرة أبرز المعنيين بها، أو أن تتمسك طهران بمطلب حشرها إسرائيليا تحت عنوان محاسبة الإسرائيليين على عمليتهم هذه داخل أراضيها.