أمتع ما قرأت سنة 2010

TT

عنوان هذا الكتاب يسد النفس، وقد حدث لي ذلك منذ عشرين عاما. وكنت أستعرض بعض الكتب فوجدته بالصدفة.. وبيد مترددة أمسكت الكتاب.. عنوانه «مع المخطوطات العربية - صفحات الذكريات عن الكتب والناس» تأليف المستشرق الروسي كراتشكوفسكي، من منشورات دار «التقدم» بموسكو في 374 صفحة.

وجلست ومعي الكتاب أسأل نفسي ما الذي جعلني لا أقبل على قراءته.. وقرأت المقدمة، وقرأت المقدمة التي كتبتها زوجته.. وبدأت أقرأ الكتاب، ولم أتوقف حتى الصباح، وكان في نيتي أن أكتب، فصرفني هذا الكتاب عن أي شيء سواه.

والله جميل العبارة سهل الأداء، وموضوعه المخطوطات العربية عن أبي العلاء وأبي العتاهية وغيرهما. أما أسلوبه في الكتابة، فهو بديع. أما معشوقته، فهي المخطوطة التي يعثر عليها أو التي يسافر لها من بلد إلى بلد.. فهي التي لا يمل البحث عنها مهما طال الزمن؛ بل إن هناك صفحات حوار عشق بينه وبين المخطوطات.. يقول: «المخطوطات تحيطني، وفي ليالي السهاد ووقت المرض حين تصيبني الحمى في رأسي وحين لا يستطيع عقلي أن يتحكم في أفكاري.. في كل هذه الأوقات تحتشد المخطوطات حولي بتواضع كأنها خائفة، فتقترب مني على استحياء.. فأسمع في زفرتها أحاديث هادئة تناديني: ألم تنسنا؟ ألست تبتعد عنا؟ أتذكر كيف أعدْتنا إلى الحياة؟ وكيف أنك دققت النظر باهتمام في سطورنا البالية المطموسة؟ وكيف أنك فتحت معاني تلك السطور رويدا رويدا؟ وكيف دققت النظر في تلك الخطوط التي كتبت بسرعة أو بصورة غير جذابة؟ وكيف أنك عرفت منها قصة حياتنا فجأة في الوقت الذي كان يلفح ظهرك برد خفيف يثيره الانفعال؟ وعندما يلمع أحد الأسماء في عينيك، فإن ذلك يعطينا مكانا في الحياة إلى الأبد؟ وكيف كنا من قبل تحت الأرض أو في الصناديق الخشبية مئات الأعوام؟ المخطوطات تحتشد في أوراق صفراء تحمل حروفا كوفية واضحة وبعضها يحتوي على كتابة لرهبان سيناء.. وبعضها من ورق من مكتبات سلاطين المماليك، ونسخ أخرى فقيرة.. لكنها آثار علماء لا تقدر بثمن. بعض هذه المخطوطات ضاعت صفحتها الأولي، وبعضها ضاعت صفحتها الأخيرة. المخطوطات تحيطني وتهمس: ألم تنسنا؟ هل ستأتي إلينا؟ إن هذه الصفحات هي صفحات حياتي أنا، وحياتي وصفحات الآخرين.. إنها صور للماضي، ولن يخفيها بعد اليوم ضباب العصور..».

والكتاب متعة حقيقية وحكاية باهرة لعشق المخطوطات.. قصص وحكايات ومغامرات مع كل مفكري العرب في بداية القرن العشرين بمصر وسورية ولبنان.