لن أكون شيطانا أخرس

TT

لا أكذب عليكم أنني قبل أكثر من شهر، ثم بعدها، من أكثر من أسبوع، وأنا لست (على بعضي) من شدة الذهول والحزن، مما جرى من تفجير كنيسة في العراق، وبعدها تفجير كنيسة في مصر.

وأعلم تماما أنني بموقفي وكلامي هذا اليوم قد أفتح على نفسي باباً من أبواب جهنم، ولكن لا تهمني نيران الدنيا كلها طالما أنني أتأسى بمقوله سيد الخلق: إن (الساكت عن الحق شيطان أخرس)، ولم أكن، ولله الحمد، في حياتي كلها لا شيطانا ولا أخرس ولا قصير لسان، لهذا سوف أرمي حجري في هذه البحيرة الراكدة الآسنة، ولن أساوم في قول الحقيقة لومة لائم، حتى ولو على نفسي.

أقول، وبالله التوفيق، من دون أي لف ولا دوران ولا مجاملة ولا (تزويق): إن بعض المؤسسات الدينية الإسلامية في بلادنا العربية بالذات، وأصر على (بالذات)، ما فتئت (هذه المؤسسات)، ليس من اليوم، ولكن منذ عدة قرون، وهي تظلم ثم تظلم ثم تظلم كل من خالفها في العقيدة ويعيشون بين ظهرانيها.

أرجوكم لا تظنوا أنني (أهرف بما لا أعرف)، لا، إنني أعرف وأبصر وأفكر وأتأسى، ولكي أثبت لكم ذلك فاقرأوا معي ربع صفحة واحدة فقط مما كتبه (الجبرتي) في كتابه المعروف (عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، وذلك في عام (1232 هجريا)، أي قبل (200) سنة بالتمام والكمال، وهو يقول عن الحياة الاجتماعية في مصر المحروسة: «إنه في أواخر رمضان زاد المحتسب في نغمات الطنبور، وهو أنه أرسل مناديه في مصر القديمة ينادي على نصارى الأرمن والأروام بإخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها بالإنشاء والملك والمؤاجرة المطلة على النيل، وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق وعدم ركوبهم الخيول والبغال والرهوانات الفارهة واستخدامهم المسلمين. فتقدم أعاظمهم إلى الباشا بالشكوى وهو يراعي جانبهم، لأنهم صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة. وأيضا نادى مناديه على المردان ومحلقي اللحى بأنهم يتركونها ولا يحلقونها، وجميع العسكر، وغالب الأتراك سنتهم حلق اللحى ولو أطعن في السن، فأشيع فيهم أنه يأمرهم بترك لحاهم، وذلك خرم لقواعدهم، بل يرونه من الكبائر».

قد يقول قائل، ويتشدق متشدق، إن ذلك كان يحصل على النصارى من الأجانب فقط، وليس على الأقباط أهل البلاد، وهذا بالقطع ليس بصحيح، إلا إذا أردنا أن نجامل أو ندفن رؤوسنا بالرمال، لا يا سادتي فالمؤسسة الدينية الإسلامية ما فتئت منذ قرون وقرون وهي تتبع هذا الأسلوب العقيم والمتوحش مع كل من خالفها ولا يسير في ركابها، ليس في مصر وحدها ولكن في كل البلاد الإسلامية تقريبا، على الرغم من أن أصحاب العقائد الذين ضيقوا عليهم الخناق كانوا متواجدين في تلك البلاد كمواطنين قبل ظهور الإسلام بقرون.

والفترة الوحيدة القصيرة التي كانت فسحة أمل على العدالة والديمقراطية في مصر - على الرغم من هزالها - هي في الفترة القصيرة من (1919) إلى (1952)، مع شبه احترامي وشبه تقديري للمرحلة الناصرية والساداتية والمباركية، لا أريد أن أسترسل لأنني أخشى أن يزل لساني بما لا تحمد عقباه، ولكنني أقول الحق ولا شيء غيره، حتى ولو على نفسي، ومن شاء أن يقبل فليقبل، ومن شاء أن يرفض فليرفض، فهذا ليس من شأني، ولكنني قلت ما يرضي ضميري، وأجري على الله.

[email protected]