وما أدراك ما «القاعدة»!

TT

هل هناك علاقة «ما» بين التطور النوعي والكمي في عمليات «القاعدة» وفروعها المختلفة الإرهابية ضد الدول العربية وتوجيهها إلى الفرق المختلفة داخلها خصوصا المسيحية منها، وبين «انتهاء» مسرحيات المباحثات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومشروع الدولتين الذي يجري القول به وترديده منذ أكثر من عشر سنوات طويلة؟ السؤال يبدو بديهيا ومنطقيا جدا، خصوصا أن «القاعدة» أثبتت أن خطتها وأهدافها واستراتيجيتها «فعليا» هي محاربة المجتمعات المسلمة أولا وأخيرا وليس إسرائيل كما يدعي خطابها الإعلامي المتداول والمنتشر.

«القاعدة» تحولت إلى العدو الرئيسي الظاهر للمجتمعات العربية، ولا يوجد بلد عربي حتى الآن لم يذق طعم إرهابها، أو يتأذ منها بشكل مباشر. فكانت مشاهد القتلى والجرحى والدمار أكبر دليل على إدانتها، خصوصا مع وجود البيانات والشرائط المرئية والمسجلة التي تبارك هذه العمليات، وتتحمل من خلال ذلك المسؤولية عن هذه العمليات المجرمة. سواء أكانت المسألة مصادفة بحتة أم بتنظيم تآمري مقنن، باتت «القاعدة» أداة تحقيق لأهداف الموساد الاستخباراتية بشكل لم تكن تحلم به أعتى أفكار القيادة فيها، وهذا هو لب المسألة المطلوب البحث فيها.

«القاعدة» اليوم أصبحت المثال الفج والوقح للخطر الحقيقي والكبير على المنطقة (وهي بذلك تتوازى تماما مع الخطر الإسرائيلي الذي يقتل ويدمر الناس والممتلكات)، وبالتالي استمرار التعامل مع «القاعدة» والمنتمين إليها والمتعاطفين معها على أنهم مجرد فئة ضالة هو تخفيف لهذا الخطر. حقيقة الأمر أنهم فئة باغية ومعتدية، ولا تخبئ، ولا تحاول تجميل مقصدها. هي أعلنت الحرب وتمارسها على الأبرياء والعزل بضراوة، وبالتالي وجب الوقوف أمامها بحزم ومحاربتها. وإذا كانت هناك فئة ضالة فحتما هناك فئة «مضللة» هي أكثر خطورة وأشد خبثا، لأنها هي التي تسعى لإيجاد المسوغات والتبريرات، وبناء القواعد التشريعية والفقهية للأعمال الإجرامية، وبالتالي تأسيس الأرضية الصلبة لإغراء الشباب للانضمام، والمتعاطفين للتبرع بالمال. وإذا كانت هناك لوائح تصدر بالأسماء والصور للمطلوبين من الفئات الإرهابية الضالة كما يطلق عليهم فإن الأوان قد حان لإصدار لوائح بالأسماء والصور لفئة المضللين الذين ينشرون آراءهم وفتاواهم وكتبهم، وتبيان كل ذلك للعامة بوضوح جلي، فليس من المعقول ولا المنطق التشهير بسارق أو بمعاكس فتاة وبمن يجهر بمعصية ولا يتم كشف من يتولون تضليل الشباب وبالتالي التسبب في قتل الأبرياء وترويع الناس وتدمير الممتلكات.

«القاعدة» ومن على شاكلتها يستندون إلى حجج وآراء، ويبنون على أساسها «مشروعهم» الديني، ويروجونه للناس، ويلقون بالتالي من الضعاف القبول. لكن ما دام الأمر بقي محصورا في ملاحقة ومطاردة حاملي السلاح دون ملاحقة حاملي الفكر الأسود فستستمر المعركة «محدودة» ومقتصرة. علاج السرطان يكون بالإشعاع وبالكيماوي حتى يتم حرق الأورام من جذورها إذا أمكن، وإذا لزم الأمر يكون هناك تدخل جراحي قاطع.. والمواجهة مع الإرهاب لا تتحمل المجاملات ولا الحلول غير الكاملة، وحتى يعي العرب في العالم الإسلامي إشكالية أن المجاملة في المواجهة تزيد من تكلفة العلاج ستستمر الكارثة، ومقولة إن «لحوم العلماء مسمومة» هي لوحة وفزاعة باتت تستخدم لمنع النقد والتفريق بين العاِلم الحقيقي والحافظ المردد من دون فهم وإدراك.

هناك بعض اللحوم مسمومة، والآخر منها ما هو سام! تكلفة الإرهاب في ازدياد، هذه هي الحقيقة، و«القاعدة» باتت في خندق واحد مع إسرائيل سواء بالصدفة أو عن قصد. هذه هي الوقائع التي نحياها، وتبقى مواجهة هذه الكارثة مسؤولية مشتركة على الجميع القيام بها.

[email protected]