كان يوما رهيبا في الكونغو!

TT

منذ خمسين عاما كنت في الكونغو، وكان لا بد أن نقابل الزعيم لومومبا، وأمامنا 24 ساعة فقط. من الذي قال ذلك؟.. الطائرات الأميركية التي أتت بنا. والتعليمات لدينا هي أن نوزع صور الرئيس عبد الناصر وأعلام مصر. ولم نجد أحدا نوزع عليه الأعلام ولا الصور. وقابلتنا القوات المغربية التي وزعت علينا علب الطعام الدولية. ولا أتذكر من الذي دلنا على الرئيس لومومبا. وجدناه، وكانت حالته صعبة جدا، مخمورا، ولم يكد يرانا، وكنا خمسة من الصحف المصرية، حتى وقف على أحد المقاعد وراح يخطب. ولم نفهم، فلم نعرف اللغة التي يخطب بها.. وحتى لو كانت الفرنسية فإن البيرة كانت حائلا زجاجيا بيننا وبينها!

ولا أعرف من الذي نبهنا إلى أننا وقعنا في أكثر من مصيبة.. المصيبة الأولى أننا خرجنا من القاهرة من دون مرور على الجوازات.. والمصيبة الثانية أننا نسينا التطعيم ضد الكوليرا، وفي هذه الحالة سوف يتم حجزنا في الحجر الصحي بمطار القاهرة لعدة أيام. والمصيبة الثالثة كان أمرها أسهل: فلا توجد إلا غرفة واحدة بها سرير، وهذه الغرفة تابعة للكنيسة.. وكان يمكن أن ينام على السرير نصفنا والنصف الثاني على الأرض. ولم يكن النوم بالنسبة لي مشكلة، فأنا كنت أستطيع أن أجلس إلى جوار النائمين حتى الصباح لولا الحشرات والهوام من كل شكل ولون، ولولا أصوات في الغابات حولنا: أسود وضباع وذئاب وقرود. إنها غرفة واحدة ولها مصباح واحد في السقف. فخلعت «الجزمة» وحطمت المصباح لعل الحشرات تختفي. ولم تختف، وإنما كانت تحوم في كل مكان، ولها عيون وأجنحة تضيء.

الرحلة كانت مرهقة.. ولجأت إلى حيلة، فسألت الزملاء إن كان اللحم الذي أكلوه لحم قرود، ورحت أتظاهر بحركات القرود وأهرش في جانبي.. فخاف الزملاء وقفزوا من فوق السرير.. وقفزت فوق السرير وغفوت للحظات كانت كافية بالنسبة لي.

أما بشأن الكوليرا فقد أخذنا الحقن والتطعيم، وطلبت أن يكون تاريخها قديما، ونسي الزملاء هذه الفكرة. ووصلنا إلى القاهرة، وعدت وحدي إلى البيت، أما بقية الزملاء فحبسوهم أسبوعين. شكرا لومومبا!