السودان.. وبدأ البكاء!

TT

راقبوا ردود الفعل في عالمنا العربي حول الاستفتاء على انفصال جنوب السودان، وما سيتبع هذا الاستفتاء، فاليوم بدأ البكاء على وحدة السودان، والخوف من أن يكون الانفصال، أو الانقسام، هو مصير دول عربية أخرى. لكن هل سيغير هذا البكاء، أو الصراخ، الوقائع على الأرض؟ بالطبع لا! فمشروع انفصال جنوب السودان ليس وليد اليوم أو الأمس، بل هو مطلب قديم لم تقدم له الحكومات المتعاقبة على السودان - ومعظمها جاءت إلى الحكم بالانقلابات العسكرية - الحلول السليمة لضمان بقاء السودان دولة موحدة، السودان الذي كان يقال لنا عنه في مادة الجغرافيا إنه سلة الغذاء العربي. واليوم حين يعبّر البعض في عالمنا العربي عن قلقهم مما يحدث في السودان، وخوفهم من أن يتكرر في دول عربية أخرى، فهل علينا أن نصدق ذلك، ونقول: معهم الحق؟ الإجابة: لا! فتجنيب السودان مرارة الانفصال عمل كان يجب أن يتم منذ عقود، وليس اليوم، وتجنيب الدول العربية الأخرى نفس هذا المصير المحزن لم يتم حياله شيء بعد.

فقط دعونا نتأمل أحوالنا. ولن نتحدث عن دول، بل دعونا نأخذ مثالا أبسط، وبساطته تكمن في تعقيده، وهو القضية الفلسطينية. فمن يصدق أن حركات سياسية، أو غير سياسية، تقاتل من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية، سياسيا وعسكريا، مثل كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها السلطة، وعند توفر أول فرصة لأن تكون هناك مدينة يلتئم فيها المجلس التشريعي، ومقر للحكومة، وخلافه، يتم فيها انقلاب على السلطة بالسلاح مثلما فعلت حماس في غزة، ثم ينقسم العرب حول ذاك الانقلاب بين مؤيد ومعارض، وينتج عن ذلك الانقسام تعميق لشق الصف الفلسطيني، وبمساعدة دول عربية تعبر عن قلقها اليوم مما يحدث في السودان!

والأمر نفسه ينطبق على السودان، وإن بشكل مختلف؛ فالنظام الذي يرعى التصويت على انفصال الجنوب اليوم هو نفس النظام الذي وقف مع صدام حسين إبان احتلاله للكويت، وهو نفس النظام الذي احتضن زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن ذات يوم على أراضيه. فماذا فعل العرب، وما هي وقفاتهم الحاسمة ليس لمعاداة النظام، بل لضمان أن يتعلم السودان من أخطائه؟

وعلى ذلك يجب أن نقيس، إذا كنا نخشى فعلا على بعض دولنا من الانقسام، والأمثلة أمامنا كثيرة؛ فهناك العراق، ولبنان، واليمن، وهناك قضية الصحراء في المغرب العربي. وعليه، فما دمنا نسمح لخلافاتنا الضيقة - التي لا يمكن وصفها إلا بالمماحكات - أن توصلنا إلى هدم دولنا، فطبيعي أن نرى دولا أخرى غير السودان في طريقها للانفصال والانقسام.

ما يجب علينا أن نتعلمه هو أن الأوطان لا تبنى ولا تقوم ولا تستمر، بالتخوين والتأليب والثأر والإقصاء وانتصار طرف على آخر، كما أنها لا تقوم على المراهقة السياسية، بل تقوم على تغليب المصالح، والمشاركة، وحق المواطنة، ومراعاة الفوارق، والاختلافات الثقافية، وغيرها. وعليه، فطالما لم نقف موقفا حاسما مما حدث في غزة، ولا نقول الحقيقة حول ما يحدث في بعض دولنا العربية، فإن مسلسل الانقسام والانفصال سيطول.. للأسف.

[email protected]