حكاية غداء

TT

كنا ستة على الغداء، خمسة منهم اقتصاديون. وكان أربعة بينهم أصدقاء قدامى، والخامس ألتقيه للمرة الأولى. سأل الخمسة الصحافي عن الوضع في البلد، فأفادهم، بكل صدق، بأنه لا يعرف عن الوضع في البلد أكثر مما يعرف أي منهم. ثم انتقلوا إلى مواضيع أخرى، أكثر وضوحا وأكثر بهجة.. سأل أحدهم الصديق الجالس قبالته عن أحوال شركة الطيران التي يملكها في الهند، فقال: الحمد لله. عاد السائل فسأل: «فقط داخل الهند؟». قال الصديق: «لا، مرتان في اليوم مومباي - نيويورك. ومرتان دلهي - نيويورك. ورحلات يومية إلى باريس وبروكسل، ومنها إلى أفريقيا». وعاد يسأل: «كم طائرة تملك الشركة؟» توقعت أن يكون الجواب 14 طائرة. 15. 20. لكن الصديق القديم أجاب وكأنه يقرأ في لائحة الطعام: «114 طائرة، بينها 12 بوينغ 777».

هنا تدخل الضيف السادس، الذي ألتقيه للمرة الأولى، وقال للصديق مالك أجواء الهند إن الشركة التي يملكها اخترعت للتو طريقة لزيادة المقاعد في الطائرات خلال نصف ساعة. وأكمل شارحا أن شركته تزود مصانع «إير باص» ومصانع السيارات ومصانع الكومبيوترات بأحدث اختراعات التكنولوجيا.

صاحب أجواء الهند كان شيعيا من الجنوب. وصاحب اختراعات فرنسا سني من بيروت. ولم يرد بينهما حديث لفتنة ولا جاء أحدهما على حديث «شهود الزور». خمسة رجال أعمال، ينشرون النجاح في كل مكان. والصديق صاحب الدعوة إلى الغداء يبني ويعمر في الخليج منذ نصف قرن. ومن بين جهات الأرض التي يعملون فيها لا يقلقهم سوى لبنان.

الخمسة بنوا نجاحهم في الخارج. والخمسة كان آباؤهم قد نجحوا في لبنان، أيام كان بلدا مستقرا، بل وسعيدا وهانئ البال. كنا نحن الستة نخشى، ونحن على الغداء، أن يصدر «القرار الاتهامي»، ونحن بعدُ في المطعم، أو أن تعلن أسماء «الشهود الزور». أو أن يفقع أحدهم تصريحا يزعزع استقرار البلد. الصديق، مالك أجواء الهند، كان في داخله أكثر اطمئنانا إلى جماهير مومباي أو جماهير أفريقيا. وبدت الصورة فظيعة حقا: أن ينتخب لبناني نائب رئيس جمهورية في قارة مثل البرازيل، وأن يملك آخر أجواء قارة أخرى مثل الهند، وأن يكون الثالث في المكسيك أغنى رجل في العالم، وأن يكون مصير لبنان نفسه متوقفا على اسم بين شهود الزور أو اسم في القرار الاتهامي.

ما العمل؟ لا شيء. تمنيت لأصدقائي ألف خرزة زرقاء وتمنيت للبنان مواطنين، يحبونه ويحبون القانون ويخافون ربهم.